العنف الأسري ضد الأطفال يدفعهم للجريمة والإرهاب! د. يوسف بن أحمد الرميح ٭
بدأت وللأسف يظهر لنا بعض من تشوهاتنا الاجتماعية والأسرية على السطح في الآونة الأخيرة والمتمثلة في العنف الأسري الموجه ضد الأطفال. وما المأساة التي تعرضت لها الطفلة غصون التي ماتت تحت التعذيب وقبلها رهف التي تعرضت لعنف شديد وغيرهما من الأطفال الا مثال على ذلك.
يعد العنف الأسري من اخطر مشكلات مجتمعاتنا المعاصرة ولكن المأساة تتمركز في ان العنف ضد الطفل يعد في عالم الظلام، حيث لا يعرف الكثير حتى اقرب الاقرباء عن الآباء الذين نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم وزرعت حقداً وكرهاً للأطفال.
ان للطفل في الشريعة الإسلامية العظيمة حقوقاً واضحة معروفة اتى بها الشرع المطهر لحفظ كرامة الطفل وصونها وضمان نموه نفسياً واجتماعياً وجسدياً بالشكل الطبيعي. وضمنت المواثيق والمعاهدات الدولية عدة حقوق للطفل وضمنت احترام آدمية الطفلة والحفاظ عليه.
مأساة العنف ضد الطفل ان الطفل لا يشتكي ولا يهرب ولا يقاوم فهو ضحية سهلة وميسرة في اي وقت يشعر الوالد في الرغبة في العنف او في حالة الانفعال او الغصب.
والعنف ضد الأطفال لا يعلن ولا يعلم منه اكثر من 10٪ منه بينما 90٪ منه يظل في الكتمان داخل المنازل، هذا نتاج إحدى الدراسات الغربية وأما في مجتمعنا العربي الذي تركز على مفهوم الأسرة والسلطة الوالدية فلا يعرف بالضبط كم نسبة العنف ضد الطفل.
ان من اصعب الامور في الحياة وجود ضحية متوافرة دائماً فهذا يوفر نافذة سهلة لاخراج افرازات الحياة المعاصرة والصعبة على الكثير، فتخرج على شكل عنف شديد ضد الطفل خاصة انه لن يبلغ الشرطة او الاقرباء انما يشكو ضعفه وقلة حيلته وهو انه لرب العالمين القادر على ان ينصر هذا الطفل الضعيف من هذا الوالد الجبار الظالم.
وفي دراسة لكاتب هذه السطور حول العنف ضد الطفل تنشر قريبا - إن شاء الله - تبين ان عددا لا بأس به من أطفالنا يتعرضون للعنف من قبل الوالد خاصة، هذا العنف يأخذ عدة صور لعل اكثرها شيوعاً للاسف الضرب على مختلف انحاء الجسد، يليه العنف والضغط النفسي والتحقير ويليه منع الطفل من حقوقه في الترفيه واللعب والتسلية.
عندما يشطح اب شاذ للعنف ضد احد أطفاله فإنه وبهذا الفعل يدفع الطفل للجريمة والانحراف والعنف. وعندما يمارس العنف ضد الطفل فإنه يهرب للشارع، حيث ان هذا الطفل لم يجد الدفئ والحماية في منزل الأسرة وهو يحاول البحث عنها في الشارع وللاسف يجد من يلتقطه سريعاً ويلتصق هذا الصغير بالآخر الغريب حيث انه وبسبب صغر السن يحتاج لمصدر حماية، يحتاج لصدر حنون ويد تمسح رأسه. وهنا تستغل طفلوته بأبشع صورة حيث يستغل الطفل في التسول من قبل ضعاف النفوس ويستغل في السرقة لحساب الآخرين ويستغل في الشذوذ الجنسي وفي بيع وتوزيع المخدرات وغيرها من الجرائم، وقد يكون من يلتقط هذا الصغير من الشارع لديه فكر ارهابي وفكر ضال وهنا نحن نفقد احد فلذات اكبادنا واحد اعمدة الوطن في المستقبل لان يكون مجرماً أو ارهابياً.
اذن العنف الأسري ضد الطفل قد يدفعه للجريمة والارهاب والعنف. كذلك عندما يمارس العنف ضد الطفل فإنه يختزن هذه الصور والوقائع الشاذة في عقله الباطن ودائماً ما يفكر فيها ويتصورها ويسترجعها ويتألم. ففي كل مرة يتذكر العنف المدوي عليه يهرب من هذه الذكريات الأليمة في معاقرة الخمور والمخدرات فقط لينسى تلك المواقف والمشاهد المحزنة والاليمة.
الوالد الشاذ الذي يمارس العنف على ابنه الصغير او ابنته انما يؤسس فعلياً لمجرم في المستقبل فهذا الطفل هو مشروع قاتل او مجرم في المستقبل وذلك لان عقله الصغير ملئ بالعنف والحقد والكراهية ولذا لا يستغرب ان يهرب للمخدرات اولاً لينسى ماضيه القاسي ثم يتحول للقتل والعنف.
وهنا لي كمتخصص في علوم الاجرام والجريمة اقولها للجميع إن هناك اموراً يجب معرفتها وعقلها قبل الاتجاه للعنف ضد الأطفال لعل اهمها اننا كآباء نعطي اشارات خاطئة وغير مفهومة للطفل مثلاً عندما يعمد احد الوالدين لاسلوب عقابي ويعمد الوالد الآخر لاسلوب مخالف تماماً وايضاً عندما يعمد الاب الى عدة اساليب متضاربة في العقاب فيوم يضرب وآخر يؤنب وثالث يهمل هنا لا يعرف الابن ماذا سيلاقيه بسبب خطأ ما. وخطورة العنف للطفل تعادل خطورة الاهمال للطفل فكلاهما مصدر خطر محدق بالطفل، وكلاهما يدفعان الطفل نحو الشارع ونحو الالتصاق بأصدقاء السوء ونحو الجريمة والعنف والانحراف بكل انواعه.
وحتى يكون الضبط او التأديب نافعاً فهناك عدد من القواعد الذهبية وهي ان يكون التأديب صادراً من قلب شخص محب بعيداً عن الحقد والكره، وبعيداً عن الغضب وبعد استيعاب المبررات. إن من المآسي ان تكتشف بعدما عاقبت طفلاً انه مظلوم او انك مخطئ بهذا العقاب، اذاً يجب قبل العقاب التأكد من الخطأ وسماع مبررات الطفل لهذا الخطأ الذي ارتكبه. كذلك يجب ان تكون كمية العقاب مساوية او مقاربة للخطأ فالخطأ الكبير عقابه كبير والصغير صغير ونوعية العقاب موضوع في غاية الاهمية فلا يقتصر العقاب على الضرب فقط ولكن ان يحرم الطفل من لعبة او رحلة او زيارة او غيرها هي اكبر اثراً ويدوم تأثيرها لفترة اطول بكثير من الضرب حيث إن الضرب وقتي يشفي الوالد ولا يفيد الابن. كذلك يجب مراعاة الوقت بين الخطأ والعقاب فكلما طال الوقت بينهما نسي الطفل الخطأ وتذكر العقاب ويجب الربط بين الخطأ والعقاب وان تكون المدة الزمنية بينهما قصيرة ليكون اثرها اكبر.
في الختام اتمنى فعلاً وجود جهات حكومية او اهلية او خيرية فاعلة تتولى حماية الأطفال من قساوة بعض الآباء الذين نزعت الرحمة من قلوبهم ويكون اكبر همهم تصفية حسابات بواسطة ذلك الطفل المسكين يجب ان يبعد الطفل عن تصفية الحسابات بين الآباء والامهات ويجب ان يضمن له نمو نفسي وجسدي واجتماعي يفرض بقوة النظام ويجب علينا جميعاً كمجتمع حماية الأطفال ورعايتهم خاصة وان ديننا حث على الاهتمام بالطفل فهم اولاً وآخراً للعقلاء المؤمنين زينة الحياة الدنيا كذلك ادعو ان نبتعد كمجتمع فاضل طيب عن تشغيل الأطفال..
الطفل الصغير يجب ان يأخذ حظه من التعليم ويجب عدم اجباره على العمل مبكراً لانه في هذا اهمال للدراسة وتضييع وبكل اسف لمستقبل هذا الطفل الواعد لنفسه وأسرته ومجتمعه ووطنه. وادعو الله ان يكون في موت الطفلة غصون التي انتقلت للدار الآخرة تشكو الى الله الواحد الاحد ظلم البشر خاصة اقرب الاقرباء اليها وتشكو اليه تعالى ايضاً اهمالنا وانشغالنا نحن جميعاً كمجتمع عنها وعن قضيتها وعن امثالها لتكون حياة لنا جميعاً لنهتم بحماية الأطفال امثالها ورهف وغيرهما وان يحاسب كل من يثبت عليه عنف ضدهم حساباً عسيراً.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
٭ أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك
وكيل كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية
جامعة القصيم