أسعد الله أوقاتكم بكل خير
الكذب في الشهادة
يتوخى المحقق عند سماعه للشهادة أن يحصل منها على الحقيقة و لا شيء غيرها ، و لا يمكن له ذلك إلا أذا تعمق ما أمكن في دراسة نفسية الشاهد و العوامل و المؤثرة فيها ، صيت أن هذا من شأنه أن يساعده على تفهم و تقدير قيمة الشهادة الحقيقية
يمكن حصر الحالات التي لا يصدق فيها الشاهد في إثنين :
1- أن لا يصدق عالماً بالحقيقة متعمداً تغييرها ، فنحن هنا أمام عملية كذب
2- أن لا يصدق بدون قصد منه معتقداً ما يقوله ، فنحن هنا أمام عملية خطأ
و مما لا شك فيه أن من أهم الصعوبات التي يلاقيها المحقق هي التفريق بين شاهد يدلي بمعلومات كاذبة بحيث يعتمد إخفاء حقائق جوهرية عن المحقق و شاهد آخر يدلي بمعلومات صحيحة أساسها الخطأ من دون قصد أو رغبة في تضليل المحقق ، و لتلافي هذه الصعوبة يجب على المحقق عند سماعه أقوال الشهود و مناقشته إياهم أن يكون حذراً و متيقظاً بالنسبة لكل ما يصدر عنهم من حركات أو ما تظهر عليهم من إنفعالات ، هذا بالإضافة إلى وجوب إحاطة المحقق إحاطة تامة بوقائع الحادثة و ظروفها ، لكي يستطيع أن ينطلق من مركز قوة عندما يناقش الشاهد للتوصل إلى نقاط الضعف أو الشك أو الكذب في شهادته و الوقوف على الأسباب التي دفعته إلى الكذب ، و يلاحظ عادة بأن الشاهد الكاذب يدلي بشهادته نجده يهتم بذكر التفاصيل الدقيقة و يتجنب في أغلب الأحيان تفسير جوهر الموضوع ذاته محاولاً جعل المحقق يعتقد بصدق أقواله هذا بعكس الشاهد الحسن النية فإنه قلما يتعدى الجوهر في شهادته و إذا تطرق إلى جزئيات فإنه عادة يطيل فيها و نراه في الوقت نفسه يتردد في ذكرها و قد تناقض أقواله فيها
و إذا إرتاب المحقق في أقوال الشاهد فعليه أن يظهر شعوره بذلك في الحال بل أن يكتمه في نفسه و يدعه يسترسل في الكلام بحرية و يسجل خلال ذلك الأمور المتناقضة و المخالفة للواقع حتى تكتشف له حقيقة الأمر فيزول عندئذ الشك باليقين ، أما إذا أعلن المحقق إرتياحه حال شعوره فيه فقد يتدارك الشاهد ما صدر منه من هفوات أثناء المناقشة فيصلح خطأه و يرتب أقواله بشكل يوفق بينهما و بين الحوادث ، فعلى المحقق إذن أن يتظاهر بتصديق الشاهد الكاذب حتى يقطع مرحلة طويلة في الكذب يصعب معها أن يتداركه أو يتخلص منه و عندئذ يفاجأ الشاهد بما يراه في شهادته من كذب و تزوير