العديد من الأشخاص لا يحبّون الحقن، وخاصّةً عندما تكون الإبرة بهذا الحجم الهائل. ما ترونه الآن أمامكم هو (قُصَيْبة)، إنّها إبرةٌ تُستعمل لإدخال الدواء السائل أو الحقنات إلى شرايين المرضى. وغالبًا ما يُجرى اللّقاح في اليد.
وبسبب حجمها الكبير، تزرع (القُصَيبة) الخوف الذي تزرعه الإبر في الجميع، الخوف من الوجع. غير أنّ بعض الناس يظنّون أنّها عمليًّا لا تسبّب الآلام، وذلك بسبب رأسها الحادّ. تُصنع (القُصَيبة) عادةً من الفولاذ الصلب الذي يقاوم الصدأ والتآكل.
يستعمل المصنع حزامًا يبلغ عرضه أربعة سنتيمترات ويجعلونه على شكل أنبوب. حالما يصبح مستديرا تماما، يتمّ تلحيمه. هذا الأنبوب مثلاً يبلغ قطره ما يقارب السنتيمتر وثلاثين ميليمتراً، ولكن إذا كنتم تخافون الإبر.
فلا تقلقوا. فلن يستعمل أيّ طبيبٍ مثل هذه الإبرة لإجراء لُقاحٍ عاديّ. أمّا الخطوة التالية فتقضي بتقطيع هذا الأنبوب الضخم أربعة أقسام يبلغ طول الواحد منها أربعة أمتار.
ومع ذلك، فهذه الأقسام لا تزال كبيرة الحجم ولذلك فهي لا تزال بحاجةٍ إلى التصغير. هنا يأتي دور عمليّةٌ يُطلق عليها اسم "الرّسم التخطيطي"، حيث يتمّ وضع الأنبوب الكبير الحجم في هذه الآلة التي تسحقه ليبلغ حجمًا أكثر ملائمةً.
تتكرّر هذه العمليّة حوالى الثلاث عشرة مرّة يتقوّى خلالها الأنبوب ويتقلّص حجمه. وتأتي النتيجة الأخيرة على شكلِ إبرةٍ أصغر حجمًا وأقل إخافة بكثير للذين يخافون الإبر.
على الرغم من كلّ إيجابيّات عمليّة "الرّسم التخطيطي" هذه، إلاّ أنّ لها نقطةٌ سلبيّةٌ واحدة. فعندما يتعرّض المعدن للمطّ والشد بشكلٍ مستمرّ، يؤدّي ذلك إلى ظهور المسامّ فيه ما يجعله ضعيفًا.
أمّا الحلّ فيقضي بوضع الأنابيب الرّفيعة في فرنٍ حيث يتمّ تسخينها على درجة حرارة تصل إلى ألفٍ وستين درجة مئويّة. يؤدّي ذلك إلى تقوية المعدن وإقفال أيّ ثقوبٍ صغيرة فيه.
يُرسل الأنبوب ليتمّ مطّه للمرّة الأخيرة، فلن يتمكّن من اختراقه سوى سلكٍ حديديٍّ وهو يُستعمل كموجّه.
الآن قد تعتقدون أنّ إبرةً يبلغ طولها خمسةٍ وسبعين مترًا هي طويلةٌ بعض الشيء، ولكن انتظروا لأنّه الآن سيتمّ تقطيعها لتصل إلى الحجم المطلوب. وهو يُستعمل كسكّينٍ سائل يقطّع الأنبوب إلى أقسامٍ متساويةٍ في الطول. ولكن كيف يمكننا أن نحوّل هذه الأنابيب الصغيرة إلى إبَر؟
يجب عدم تقطيع الأنابيب بل سحقها ببطء. في البداية، يتمّ ربط مجموعةٍ من الأنابيب بعضها ببعض. إلاّ أنّ سرّ الإبرة الشديدة الحدّة يكمن في الفجوات الكبيرة في أعلاها.
قد تبدو (القُصيَبات) بعد انتهاء العمل منها مخيفةٌ للغاية، لكنّ أطرافها الحادّة المخيفة هذه هي التي تخفّف الألم والأوجاع عن المرضى وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يحتاجون إلى الإبر لفتراتٍ طويلةٍ من الوقت.
إن هذه الآلة تنفخ على السطح خرزاتٍ زجاجيّةٍ صغيرة، وهي تنعّم أيّ أطراف خشنة. الصفة الأهمّ التي يجب أن تتمتّع بها الإبرة هي أنّها يجب أن تكون معقّمة. لذلك، فهذه الإبر ستأخذ حمّامًا في هذا الوقت.
ويكفي لتعقيمها تعرّضها لساعتين لموجاتٍ فوق السمعيّة وللصابون ولموادّ حمضيّة. (القُصَيبة) هي أكثر سماكةً من الإبر العاديّة وهي تُستعمل لنقل الأدوية إلى الجسم عبر قطراتٍ ضِمن الأوردة أو لإستخراج عيّناتٍ من الدمّ من الجسم.
ويساعد الأنبوب الأسمك على نقل كميّةٍ أكبر من السائل بسرعةٍ أكبر. وتشكّل هذه الآلة نقطة التجمّع الأخيرة. القُصَيبة تحتاج إلى العديد من الأجزاء لكي تتمكّن من العمل بشكلٍ جيّد.
وتوضع الإبر في مغلّفاتٍ بلاستيكيّة صغيرة. يتمّ التأكّد بواسطة الحاسوب من أنّه لم يتمّ وضع الإبر بالمقلوب في المغلّفات. ثمّ يتمّ لصقها في مكانها الصحيح، ويتمّ بعد ذلك تعريضها للأشعّة ما فوق البنفسجيّة التي تجمّد الغِراء فترةٍ طويلةٍ من الوقت.
في النهاية، يتمّ وضعها في مغلّفٍ آخر يؤمّن حمايتها خلال نقلها من مكانٍ إلى آخر ولكي تبقى الإبر معقّمةً حتى يحين وقت استعمالها.
يتمّ اختبار الإبر عبر قياس القوّة المطلوبة لكي يتمكّن رأسها من اختراق الجلد البشريّ. وكلّما احتاج اختراقها للجلد إلى قوّةً أكبر، كلّما ازداد الألم الذي تسبّبه. ولحسن الحظّ بالنسبة إلى المرضى المحتملين الذين قد يحتاجون إليها، فهذه (القُصَيبة) جدُّ دقيقة وجدُّ فعّالة.