منتديات زورونا ترحب بكم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


بوابة الفكر والحوار المفتوح
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المستحيل ..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:34 am

الحلقة الأولى
..............................
(صفاء) نقية الروح طاهرة الوجدان .. رقيقة الملامح ..عندما تسير تحرك حولها موجات الانسام تلامس كل روح حولها تزكمها بعطر الجمال وتلفها بحفاوة الوجود وتعمها ببشريات الحياة،
صفاء عندما تقف تسكن جميع العواطف مشدوهة بسحر الدلال ومفتونة لنبل الخصال ....
صفاء ... الكل يعرفها رغم سنتها الأولى.. حارسات الباب .. بائعات التسالي ... موظفو الجامعة .. الدكاترة والمحاضرين ... الطلبة اقرانها ومن هم غير ذلك ....
صفاء تبتسم للجميع .. والجميع يبتسم لها .....
في قاعة الدرس كلها انتباه وتطفر من عينيها الجميلتين نظرة الجدية والهمة والمثابرة .. ويتحرك قلمها بوداعة اناملها في احضان كفها البض بسلاسة على دفترها المنسق يضع ما يُلقى عليها من دروس بكل رشاقة وهدوء تتحرك يدها المشعة .
صفاء .. تصغى بكل حواسها لزملائها ومقلتاها متوهجة بابتسامة ساحرة تجبر المتحدث على اختيار انقى الكلمات وارقى المواضيع ...
لا تتتحدث كثيرا صفاء .. وعندما ينتظرها الجميع بشغف أن تتحدث تخرج كلمات نادرة وضاحكة .. كانت تضحك وهي تتحدث .. تلاقى الناس بترحاب وشوق كبير وتسأل عن أحوالهم .. وربما قد يكون الفراق بضعة ساعات ..
صفاء تشرق لها القاعات والردهات .. تضج لها الساحات والاماكن ...
وضاءة الجبين مشرقة الوجه .. ممشوقة القوام ... عندما يضايقها الوقت .. تسرع في مشيها كأجمل ما يكون الاسراع متأبطة حقيبتها الصغيرة ومحتضنة دفترها الانيق .. وعيناها لا يفارقان مكان اقدامها تحرك كل الحواس حولها تشع لها القلوب وتهفو لها ... وعندما ترافق زميلاتها ببطء تنثر البراح و تلهم الخيال.
تشتاق القلوب لها عندما تتأخر ...
الضجر يملأ النفوس والأماكن عندما تغيب ...
الكل يفتقدها الناس والطقس والشجر .. يغيب الحبور ويُرهق السرور .. تفتقدها القاعات و الساحات ويقسى الظل والحرور ..
و(جابر) البرئ يسأل عنها كل الصحاب .. سارة ومنال .. ندى ومي رؤى ومروة وسهام .. يبتسم امجد ويضحك احمد وينظر غير عابئ وسام ..
جابر يحب الناس .. يطوف بكل أريحية وسط الزحام يصادق ويلاطف ويصاحب ويقتحم الجماعات دون استئذان .. يستمع ويناقش .... وغالبا يهان...
نظرات متأففة واقوال لاذعة ... ابتسامات صفراء وتعاليق ساخرة ... ينفجر البعض بالضحك .. يغتاظ البعض ويرثى اخرون ... وهو يبتسم في أنزواء ...
لا يغضب .. لا يثور .. لا يحقد .. فقط بإطراق يبتسم في إنزواء ..
يعود في اليوم التالي مشرق الوجه بابتسامة اريحية لكل من يجده وعيناه تضجان بالسرور ويسأل ويبحث عمن يفتقده بكل مرح وقلق ... يلاقي الود بكل انشراح ولا يعبأ بالجفاء ولا يعاني التحاشي من البعض ... ويجد العذر لك شخص
.............................................................................................
كان امجد يحب جابر كثيرا .. ولكنه كان يحتار في امره حيث لا يعقل بأن يكون بهذ السذاجة حتى لا يفهم بأن البعض يستهزأ به ويسخر منه ولا يمكن أن يكون غبيا حتى لا يدرك بأن بعضهم يذدريه بكل وضوح ...
قال له امجد ذات يوم : كيف ترضى لنفسك بأن يهينك زميل ولا ترد عليه..
قال امجد هذا الكلام بسبب غضب عارم عندما رأي بعض الاشخاص أستمرأو التعليق على ملابس جابر بكلمات جارحة وضحكات مستفزة ..
وكاد امجد أن ينفجر من الغيظ عندما رأي رد فعل جابر وهو يطرق ببصره بهدوء إلى الارض ... وأستأذن الجميع بالانصراف ...
وعندما لحقه امجد وقال له ما قال ....
ابتسم جابر ونظر إلى امجد رافعا كتفيه ويديه ببساطة ... وانصرف في حال سبيله ...
في اليوم التالي كاد أن يصعق امجد وهو يرى جابر يتحدث معهم ويسأل عن بعضهم ..
ربما لاحظ امجد وبقية الزملاء.. بساطة وقلة ملابس جابر التي تعاني القدم وهي تلتصق بجسده النحيل كأنهما يواسيان بعضهما بحنو .
ولكنهم لا يجدون بساطة روحه وسمو طبعه .. وطيبة قلبه..
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.......................................................................................................

نواصل في الحلقة القادمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:35 am

الحلقة الثانية
عبر جابر عن قلقه من تغيب صفاء ليومين اثناء تدارسهم بعض الدروس بصوت مرتفع وتسأل إن كان احد يدرك ما بها ...
امسك امجد بيده برفق ودنا فاهه إلى اذنه قائلا بهمس (لا يمكن أن تسأل عن الفتيات لتغيبهم يوما أو يومين .. ياجابر) ... لا تحرجنا ...
.......................................................................................................
كان جابر في أغلب الاحيان ينظر بإعجاب لزملائه وهم غارقون في النقاش .. كان اسلوب جديد عليه كليا فهم يتناولون مواضيع شيقة متعلقة بالفن والسينما وجديد الافلام كأن احيانا يفغر فاه متعجبا من هول وكمية الافلام التي يعرفونها وهو لم يسمع به ابدا في حياته بل انهم يناقشون مضمونه من خلال شخوصه وابطاله ..
لم تخفي مي اعجابها بفيلم van damme ووافقها في ذلك أمجد وتجاذبا اطراف الحديث عن مشاهد رائعة وعبارات جميلة اما وسام فقال بإقتضاب .. إنه فيلم جيد ولكن الأروع هو فيلم maximum risk واخذ يتحدث عن براعة الحبكة الدرامية مع المشاهد الحركية واسترسل في ذلك مع مداخلات مروة ومنال .وامجد ..
كانوا يبدون أرائهم بكل وضوح حول مختلف القضايا ... ولكن كان اكثر حديثهم يدور حول فيديو كليب هذا وذاك ...
كان جابر يجول ببصره حول هذا وتلك بكل شغف وابتسامات متكررة .. كان يعجبه ذلك .. ادرك بأن اصحابه رائعون مهتمون باشياء كثيرة ولهم فيها دراية وأراء ..
كانت دردشتهم تخرج بتلقائية وعفوية موضحة المكنون الرهيب من الثقافة الفنية و العامة الذي يتمتعون به ..
جابر لم تتح له ظروفه الحراك في عالم الافلام والاغاني والفضائيات .. كان لا يعرف عن الافلام غير فلمان هنديان أو ثلاثة ادخله خاله السينما في صباه .. ويتذكر كيف خرج وهو متأثر بكل احداث الفلم التي جرت .. لقد كان يرجع للخلف على كرسيه حتى لا يلحظ خاله دموعه المنهمرة اثر مشهد مؤثر يعبر عن تضحية تجمع بين صديقين... وكيف كاد أن يجهش بالبكاء عندما مات احدهم وهو على صدر الآخر
وكيف كان يصفق مع الجموع لأنتقام الصديق لصديقه ..
وكيف أنتشى عندما رقصت البطلة الفاتنة على الحان بطلها العاشق ..
عندما اردا جابر في بعض الاحيان أن يقحم فلمه المفضل هذا في معرض مناقشاتهم .. نظر إليه وسام مستغربا .. فيلم هندي .. يا لك من خيالي .. واطلق ضحكة تجاوبت معها بقية المجموعة ...
عندها احجم جابر عن المشاركة واقصر دوره على التلقي ...
ولكن ...
عندما تنعطف الاحاديث وتتجاذب اطراف الروايات والقصص .. يظهر هنا جابرا بعفوية ملفتا انظار الجميع إلى الكم الهائل من الكتب التي قرأها ومعرفته الدقيقة بتفاصيلها التي تجلت عند شرحه لشخصية مصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال وانه بأشد المعجبين بالطيب صالح والبير كامي التي تجلت فيه قدرته الخيالية في الغوص داخل الطباع عن طريق كتابه الغريب ... وغيرهما من المؤلفين العالمين
كان جابر يتحدث بكلتا يديه وعيناه تومضان ببريق ينم عن صدق اعتقاده وتأثر مشاعره ..
رأي زملائه إن جابر شخصية غريبة تنسج بين البساطة والعشوائية وسهولة التعامل وبين عمق الفكر وتهذيب الخواطر وغنى الروح.
...............................................................................................
مرت الايام والاسابيع سريعة ... وكل يوم تئن دفاتر الطلاب من هول العلوم والمطلوبات ..
وفي الاسابيع الاخيرة لعامهم الأول .. كان الجميع بين رهبة القاعات وصمت المكتبات .. في إنشغال
تحولت المناقشات العابرة إلى شروح دراسية واستذكار .. وتسأول وأجوبة ..
البعض مازال يملأ المكان بغير اهتمام .. ينظر إلى الأخرون ببلاهة ودون حياء ..
أما اكثرهم فكانوا يتناولون طعامهم واعينهم مسمرة على كتبهم ودفاترهم ...
كان معظم الطلاب يقرأون من دفاتر صفاء بعد ان تم نسخها لعشرات النسخ ..
كان خطها الجميل وتنسيقها الأنيق وتلخيصها لمعظم المحاضرات هو طوق نجاة لكثير من زملائها .. كما كانت لا تتورع عن مساعدة زميلاتها على استذكار بعض ما يجدهن عسيرا .. وكانت تمنح الاجوبة والشروح لبعض الزملاء بكل هدوء ودون مغالاة ..
كانت غارقة في دروسها ودفاترها ومع زميلاتها ...
بالرغم من أن امجد كان أقل اصدقائه اهتماما لكنه كان اكثرهم ذكاءً ونبوغا ..
كان يقضى بعض الوقت في لعب البلياردو وقراءة الصحف .. واغلبه في شرح الدروس والاستذكار مع اصدقائه.
مر امجد على ردهات وساحات الكلية .. فوجد اصدقائه يلتفون حول صفاء وهي منهمكة بالشرح بعبارتها اللبقة واسلوبها الجاد والبسيط والذي كان يستوعبه الجميع بشراهة ..
أصدر أمجد اصوات متنحنحة لافتا انظارها إليه .. ولكنها كانت مستغرقة في أيصال فكرة عن كيفية حل مسائل بعينها عندما تواجه عبارات معينة وما المراد من ذكر بعض العبارات و....و..
هنا فرقع امجد اصابعه بصورة تشابه حركة التلميذ .. فرفعت صفاء رأسها عن ورقها بنظرات مستغربة ومتسائلة عن مصدر الصوت .. ولكنها سرعان ما بان عليها الارتياح عندما وجدته امجد وابتسمت له ..
وبادر معتذرا بأنه لفت نظرها معللا بأن الجميع يبدون في حالة إنشغال تام :
قالت بكل لطف واهتمام و يديها على اوراقها : لا لا لم الحظ وجودك ..
عفوا: كنت أسأل عن جابر .. لم التقيه منذ فترة .. فقط اشاهده لماما في القاعة وبعدها يختفي .. تسأل امجد
هزت صفاء راسها نافية وهي تبتسم معتذرة ونظرت لمن حولها
فبادر وسام بالرد : جابر له فترة من القاعة للمكتبة ومن المكتبة للمنزل ..
غالبا ما تجده في المكتبة ..
انصرف امجد وهو في طريقه إلى المكتبة بعد أن شكر وسام ...ووعدهم بالرجوع إليهم حال فراغه من جابر ...
عاد امجد لأصدقائه ودروسهم وهو شارحا تارة ومستفسرا تارة أخرى ... ولم يسأله احد إن كان قد وجد جابر أم لا....
.................................................................................................
أنشغل الجميع بدروسهم باقي الايام ... وآثر البعض المكوث في المنزل في فترة الراحة للأمتحان ...
...........................................................................................
بعد عدة أسابيع تواردت الانباء بأنه قد تم تعليق النتائج على لوحة الكلية ...
كان وسام أول الواصلين إلى الكلية وقام بنشر وإرسال نتائج اصدقائه الذين لم يحضروا بعد .. وكان سعيدا وهو يزف نجاحهم طالبا منهم القدوم إلى الكلية احتفالا ..
وفي اليوم المتفق عليه
التقت ندى بوسام قائلة وهي تبتسم : يا وجه الخير والفأل الحسن ..
- يشرفني ذلك بأن أكون أول المهنئين
- هل جاء احد
- نعم هنالك احمد ومي ومروة .. ذهبوا لاحضار بعض الطعام
- وصفاء
- صفاء قالت انها سوف تأتي ..
- هل امجد حضر
- امجد يا سارحة .. في تركيا .. اجازة ومن هذا القبيل
- تركيا ... مرة واحدة
- اتصل وبسلم على جميع الاصدقاء وببارك ليكم النجاح .. فردا فردا ..
- لا ادري ولكن من غير امجد وصفاء كان النجاح مستحيل ..
في هذه الاثناء حضر احمد ومي ومروة بصحبة صفاء ..
قال امجد
- من اين عثرتم عليها
ردت مي بمرح صارم:
- احضرتها معدتها
ضحكت صفاء من اعماقها وهي تصافح ندى وتنظر إلى وسام وقالت والضحكات تتناثر حروفا :
- ذهبت لإحضار بعض الحلوى .. تباريك نجاح وهكذا
ورفعت علبة الحلوى بحركة انتصار ..
فهتف الجميع ..
دار الحديث حول الغيبة وأن الاصدقاء اصبحوا يمثلون حياة معظمهم وانهم افتقدوا بعضهم بعضا .. حتى قالت مروة بأنها لا تستطيع أن تواصل حياتها من دونهم ... وافقها الجميع وتمنوا لو أن أمجد كان بينهم ..
هنا برقت عينا صفاء وقد لحظها الجميع وهي تهتف برقة ::
جابر .... أين جابر .. لماذا لم يأتي وماهي نتيجته




نواصل في الحلقة القادمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:35 am

الحلقة الثالثة
نظر الجميع إلى بعضهم ونظرت صفاء إلى وسام الذي قال بصوت واضح : لا لا اعرف ..
ظهرت على صفاء إشارت لوم خفيفة على ملامحها بعدها قال وسام وبرزت بعض نبرات التضايق على صوته وهو يبرر : بأن الاسامي توضع ترتيبا بالحروف الابجدية وعملية شاقة هي عملية البحث عن اسامي تبدأ بحروف مختلفة .. ثم ... انتظر الجميع ما بعد ثم .. ولكن وسام لم يزد ..
قطعت مروة الصمت وهي تقول .. إن جابر له فترة طويلة من قبل الامتحانات لم يكن متواصلا معنا ..
واضافت ندى : جابر هو زميل لكل الجماعات بالكلية وليست له جماعة خاصة ..
هنا قالت مي بحزم ... السؤال هنا هل جابر ضمن مجموعتنا أم لا .. واردفت بوضوح .. لو أنه في جماعتنا فإننا بذلك نكون قد أخطأنا في حقه .. أما إن كان مجرد زميل مقرب .. فهنالك العشرات من الزملاء الذين لم ندرك للحظة نتائجهم ..
وضعت مي بصراحتها المعهودة اصدقائها في موقف يدعو لاتخاذ قرار ..
في إثناء هذه اللحظات الحائرة مرت طالبتان والقتا التحية .. رد الجميع التحية وبادرت صفاء بالوقوف ومصافحتهما وتسألت وابتسامة مرحبة تعلو وجهها عن اخبار نتائجهما .. فقالت احداهما ضاحكة وتدعى عبير .. الحمد لله .. أخر من انتقلنا إلى المستوى الثاني ..
ابتسم الجميع وتبادلو التهاني والتبريكات .. وقامت صفاء بتعريفهما ببقية الاصدقاء .. قال احمد وهي ينظر إلى مها بإعجاب ..
طبعا عام كامل ونحن نرى بعض ولكن لم تحن لنا فرصة التعارف اكثر ..
اتمنى أن تجلسوا معنا ..
وافقت عبير وهي تشير إلى مها مبتسمة بأن تتفضل جالسة ..
احضر احمد مقعدين من الجوار .. وافسح لهم الجميع ..
قالت عبير :
- من الموسف أن نكون في كلية واحدة ومستوى دراسي واحد ولا يعرف بعضنا بعضا ...
أضافت مها ..
- نحن نراكم دائما مع بعضكم .. ولكننا نعرف صفاء
قال احمد .. كيف ذلك ونحن دائما مع صفاء ..
قالت عبير :
- لقد التقينا صفاء قبل بدء الدراسة في فترة التسجيل .. وترافقنا سويا في مراحل التسجيل المختلفة ..
قالت صفاء وهي تبتسم ..
- وجدتهما .. تائهات والحيرة تملأ عينيهما .. وسألتني عبير عن مكان الاشعة .. فقاطعتها مها باستفهام .. لا .. البصريات على ما عتقد ..
ضحكت عبير ومها وقالت عبير :
- كنا لا ندرك بأنها كانت تود سؤالنا عن مكان عيادة العيون .. وانها لها فترة طويلة تدور وتلف .. ويمنعها حيائها من سؤال احد .. .
قالت مها .. ظلت صفاء تبتسم لفترة من الوقت وتضع يدها على فاها تريد كتمان ضحكتها ونحن ننتظر اجابتها ..
قالت صفاء وهي تضحك ..
- كانتا تتجادلتان وتختلفتان على الخطوة المقبلة من التسجيل .. ثم يهدأن وينظران إلى وكل منهما بسؤال مختلف... وهم لا يدركان بأنني منذ ما يزيد عن الربع ساعة الف وأدور وأنظر إلى الورق وإلى الصفوف ولا أدري من أين أبدأ ..
قالت مها وهي تضحك بأن عبير قد نظرت إليها وقالت بيقين : يجب أن نسأل شخص أخر .. هنا رفعت صفاء اصبعها ودموعها تجري من شدة الضحك وقالت : أنا معكما.
انفجر الجميع بالضحك وكانت ضحكة احمد مجلجلة .. وقالت مي وهي تنظر إلى صفاء ..
- لقد اضعت وقتهما دون طائل ..
ردت صفاء ومقلتيها تطفران بدمع الضحك ..
- لقد كنت سعيدة جدا حيث سخر الله لي من يساعدني ..
قالت مروة باسمة : يعني صفاء تعرفكما قبل أن تعرفنا نحن ..
اجابت صفاء وهي تسمح بمنديلها اثر الدموع وتشير إليها :
- عبير عبد المحمود إبراهيم .. ومها عمر سليمان وللعلم هما ابنتا خالات ومن ألطف من تعرفت إليهم .
قال الجميع بصوت مرحب ..
- تشرفنا
بدأ الحياء ظاهرا على وجهيهما الجميلين وبادرت عبير :
- نحن من تشرفنا بكم .. وحقيقة صفاء هي أروع ما تعرفنا به على الاطلاق..
قال احمد وهو ينظر إليهما بنظرات مستفسرة :
- ولكننا لم انلحظكما انتم وصفاء معا..
قالت مها والحياء ظاهر عليها :
- نحن وصفاء تعمقت صداقتنا وتبادلنا الزيارات وتعرفنا بأسرتها وتعرفت هي بأسرتينا ..
وأضافت عبير :
- دائما كنا نلتقي أما أن تبحث عننا أو نقوم نحن بالبحث عنها ..
قالت صفاء ..
- حقيقة أنا غير محظوظة عندما ابحث عنهما لا اجدهما .. وهما دائما ما يسألن ويجداني ،، ولكن اعتقد لاختلاف التخصص وتضارب مواعيد المحاضرات يقف عائق بيننا ..
أومأت عبير برأسها وهي تضيف :
- محاضرات كثيرة جدا ولا يوجد أي وقت كافي للراحة والتقاط الانفاس ..
تنحنح وسام .. وقال بصوت واضح مبتسما..
- حقيقة لينا شرف بمعرفتكما .. ولكن كيف تمكنتوا من اتمام التسجيل ..
ضحكت عبير وهي تقول :
- لماذا الاحراج .
قالت مها بصوت خافض .. وكانت عندما تتحدث مها يصمت الجميع ويخفضون رؤسهم ويرفعون اذانهم حتى يتمكنوا من سماع صوتها الشحيح :
- لقد حسمت عبير الأمر وذهبت إلى شخصين يقفان بجوارنا احدهما كان يلبس جلبابا و الأخر يبدو أنه طالب جديد وكان يحمل ملف التسجيل .. سألتهما عن اماكن التسجيل وخطواتها ... فما كان منهما إلا أن اصطحبونا جميعا.. مكان مكان وخطوة خطوة ..حتى حال الوقت عن اتمام بقية الخطوات وتواعدنا على اتمام التسجيل في الغد ..والحقيقة كانا في غاية الكرم واللطف ... ولقد عرفنا بأن الطالب اسمه جابر وأن الآخر خال له .. وكان جابر في ذات تخصص صفاء
أضافت عبير :
- لقد قام جابر بكل الخطوات معنا .. حيث انصرف خاله وبعد برهة أحضر لنا طعام وماء ..
ضحكت مها وهي تقول ::
- كأن أجمل طعام اتذوقه .. حيث كنا نعاني من الارهاق والجوع ..
اضافت عبير .. وهي تضحك كان جابر ذو همة عالية وكان لا يتورع في سؤال العمال والمارة وبائعات الشاي بكل طيبة قلب ..
وكان خاله ظريفا للغاية .. كان يستطيع أن يجعل من كل موقف نكتة .. كان الجميع يتجاوب معهما لخفة دمهما وطيبة قلبيهما ..
أردفت صفاء :
- كان أكثر المواقف اضحاكا .. هو عندما تبقت لنا بعض الخطوات حال الوقت دونها .. وقف جابر امام بوابة العيادة يسأل أحد الحراس عن باقي الخطوات واماكنها .. فنظر الحارس إليه بصرامة واشار إلى لوحة الاعلانات التي كان تذخر بورقة اعلان كبيرة .. توضح بخط واضح جميع الخطوات وتصف الطرق المتبعة لعلمية التسجيل ..
قالت مها بصوتها الخافض وهي تكتم ضحكة :
- كان منظر جابر وهو ينظر إلينا بذهول .. منظرا مستنفرا للضحك ...
قالت عبير والجميع في حالة ضحك :
- عندها ضربة خاله على مؤخرة رأسة ضربة خفيفة . .وقال له ( لقد سألت كل الذين لا يمكن سؤالهم عدا هذا الرجل )...
توقف الجميع عن الضحك ... عند سؤال احمد لصفاء :
- هل جابر هو نفسه جابر زميلنا الآن :
أومأت صفاء برأسها علامة الايجاب ..
قالت مروة بلهجة متسائلة :
- ولكننا تعرفنا عليه من خلال أمجد ..
قالت صفاء شارحة :
- في اليوم الثاني من التسجيل اتممنا باقي الخطوات انا وعبير ومها وكنا نرى جابر يطوف بصحبة طالب جديد .. والتقينا بهما وقد قام بتعريفنا به وكان هو أمجد .
هنا قالت مها :
- بهذه المناسبة أين جابر وامجد ..
واضافت عبير
- مبروك نتيجتهما المشرفة .. لقد جيئنا لنبارك لكم بعد أن رأينا نتجيتنا بحثنا عن نتائجكم ووجدناها والحمد لله نتائج باهرة ..
................................................................................................................................
قالت صفاء باهتمام ..
- أمجد في تركيا ...
وأردفت بلهفة .. ماهي نتيجة جابر !!!؟؟؟؟



نواصل في الحلقة القادمة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:37 am

الحلقة الرابعة
قالت صفاء باهتمام ..
- أمجد في تركيا ...
وأردفت بلهفة .. ماهي نتيجة جابر !!!؟؟؟؟
....................................................................................................................................
افتتحت الجامعة أبوابها .. استلم الطلاب جداول محاضراتهم وباشروا في الدراسة ...
قلت زيارة مها وعبير في الايام الاخيرة ..عما كانت عليه في السابق ،، حيث انشغل الجميع بدراستهم ..
علق احمد بضجر وهو يبعد صحيفة عن ناظره ..
- مرت عدة ايام ولم تظهرا ...
- من تقصد ... تسآلت مي
ردت مروة :
- مها
- عبير ومها .. قالها احمد بسرعة وحدج مي بنظرة متوعدة ...
ابتسم وسام وهو يقول ..
- فعلا ... هكذا هي الكلية ... دراسة ومحاضرات ..
ثم اضاف متنهدا :
- لو أن الجامعة بدون امتحانات لكانت اجمل شيئ في الوجود ..
ضحكت ندى وهي تقول :
- فعلا لو أنها كذلك .
سألت مي وسام مستفسرة عن أمجد .. لقد تأخر جدا عن الحضور
فأجاب وسام بانه قد يحضر بداية الاسبوع المقبل .. وذكر بأنه يبلغكم تحاياه وسلامه ...
قال احمد باهتمام :
- لقد أوشك التسجيل أن يقفل ... يجب أن يعود باكرا
اجاب وسام مطمئنا :
- لقد قمنا أنا وصفاء بالتسجيل نيابة عنه .. واخبرته بذلك حتى لا يفسد القلق تمتعة بالاجازة.
بدأ على وجه احمد الارتياح وهو يقول :
- الحمد لله .. حسنا ما فعلتما ..
ثم اضاف متحسسا :
- كان عليكما اخبارنا ..
قالت ندى مندهشة :
- كلنا نعرف يا احمد من قبل .. اين كنت انت ..
قالت مي وهي تنظر داخل حقيبتها :
- الجميع يعلم بأن وسام وصفاء قد فعلا هذا .. حتى مها وعبير تدركان ذلك .. بالرغم من مكوثك بكليتهما طيلة الفترة السابقة ...
رفعت رأسها من على حقيبتها وحدجته بنظرات ماكرة :
- ألم يخبراك ... أم عماذا يا ترى كنتم تتحدثون.
بدأت الافواه مبتسمة وهي ترقب احمد الذي بدا متضايقا .. واشاح بنظره عن مي قائلا لوسام :
- إين صفاء ..
اجاب وسام بخبث
- لا أدري لها بضع ايام لم اعد اراها كثيرا .. اعتقدت أنها كانت معكم ...
ضحك الجميع .. وقام احمد غضبا ..
- اووووووووووووووف .. من المستحسن أن اغادر ...
ثم اضاف بعد أن رأي رجائهم له بالجلوس : جلس بحده وهو يقول
- ألا يستطيع احد التحدث معكم ..
قالت مي بهدوء :
- كان الاجدر بنا أن نسأل عن كنز ..
تلفت الجميع بحثا عن صفاء فرأوها قادمة من جهة المباني الإدارية للكلية ...
كانت صفاء من غير عادتها تمشي وسحاب من الهموم ترتسم على جبينها الناصع فتكدره وتكسو عينيها حيرة غاتمة .. ولم ينجو صوتها من اظهار حالة القلق رغم تبسمها لهم وهي تبادلهم التحايا .
- هل أنت على ما يرام ... بادرت مروة
- بخير والحمد لله ... اجابت صفاء بابتسامة عابرة سرعان ما عاد إليها الوجوم
راقبتها العيون في قلق وهي تلوذ بالصمت ... عندها قال احمد بصوت رحيم
- ما الأمر ؟
انتبهت صفاء إلى الحالة التي هي فيها واجابت بصوت خافض
- لا شيئ ... لا شيئ .. انا بخير
قالت مي :
- لا يا صفاء .. هنالك شيئ ويجب ان تطلعينا عليه ..
التقط وسام الصحيفة التي كانت بجوار احمد وبدأ يتصفحها بصورة آلية وهو يقول :
- إن كان هنالك امر خاص .. فلا حاجة بك للقول ...
أردفت مروة :
- إن كان بمقدورنا أن نفعل شيئا .. فرجاء لا تمنعينا عنه..
قالت صفاء بجدية :
- لا .. ليس هنالك شيئا .. كل الأمر إني قلقة على جابر .. لم يظهر إلى الآن .. ونحن لا نعرف له طريقا .. فذهبت إلى المسجل حتى اتبين إن كان قد تم اجراءات التسجيل ودفع الرسوم ..
قال احمد باهتمام بينما بانت إمارات اللامبالاة على وجه وسام
- وما الخبر ؟
- عرفت من المسجل إن جابر لم يحضر للتسجيل بالرغم من إنه قد تم أعفاءه من الرسوم الدراسية نسبة لتفوقه على جميع دفعته بالكلية.
نظر وسام إلى صفاء مندهشا :
- هل جابر أول الدفعة على جميع تخصصات الكلية .
ابتسمت صفاء من قلبها واشرق وجهها وهي تقول :
- نعم ... لقد سجل جابر رقما صعبا في الكلية لم يسبقه إليه إلى القليل جدا عبر تاريخ الجامعة بأكملها ..
واضافت صفاء بحماس :
- لقد كان عميد الكلية جالسا في ركن قصى في مكتب المسجل يقلب بعض السجلات عندما استفسرت عن جابر .. فرفع راسه وظل ينظر إلينا ،، وعندما هممت بالخروج .. استوقفني ونهض من مكانه واتجه نحوي .. وطلب مني أن أبلغ جابر رغبة العميد في ملاقاته .. وتحدث العميد بصراحة لقد طلبت جميع اجابات جابر على الامتحانات .. ووقفت عليها فوجدتها كما وصفها لي الاساتذة وهم جميعهم فخورون بهذا الطالب.. .. واضاف العميد وبدأ صوته منشرحا وفخورا .. هذه الكلية قد سبق وخرجت علماء ..الآن هم في كل مكان في العالم ..وإلى الآن تأتينا إشادات من جامعات ومنظمات وهيئات عالمية ومن دول مختلفة ..
قالت مي وقد بدأ على وجهها البشر :
- لماذا لم تغتنمي الفرصة .. وتحديثه عن تسجيل جابر ..
- لقد فعلت .. فقد طمأني المسجل والعميد بأن جابر طالب الكلية والكلية ترحب به في أي وقت يأتي فيه .. ولكنهما طالباني بالتسجيل نيابة عنه .. قبل قفل التسجيل .. وقد قمت بذلك ...
قال احمد وهو ينظر بإكبار إلى صفاء :
- الحمد لله يا صفاء .. لقد قمت بالتسجيل لأمجد وجابر ... إذن يجب عليك أن تكوني سعيدة وليست مهمومة كما حضرت.
اضافت مروة :
- صفاء دائما ما تهتم بأشياء مهمة نغفل عنها .. لله درك يا صفاء من اخت وصديقة وزميلة ..
بدأ الحياء على وجه صفاء وقالت بصوت مضطرب:
- الحمد لله على كل حال .. ولكن وسام هو من سجل لأمجد فقط قد اصطحبني معه .
قال وسام بإندهاش ..
- ما هذا التواضع يا صفاء .. انت من اخبرتني بفكرة التسجيل له حتى لا ينتابه القلق وتداهمه الهواجس وهو بعيد.
- ولكنك الذي قمت بالفعل بإيفاء متطلبات التسجيل ..
- هذا امر طبيعي .. أجاب وسام وسأل بلطف .. ولكن كما قال احمد لماذا انت مهمومة هكذا.
نظر الجميع مرة أخرى إلى صفاء وهي تقول ...
- كل ما هناك إنني لا اعرف ما الذي حل بجابر .. وأين هو ؟ ولماذا لم يأتي .. ؟ هل قد عرف نتجيته أم لا ؟ ما الذي اصابه ؟..
كل هذه الاسئلة والحيرة انتقلت إلى زملائها الذين اطرقوا رؤسهم كأنهم يبحثون عن شيئ اسفل اقدامهم .
قال احمد وقد برقت عيناه :
- هل أخذت رقم هاتفه أو عنوانه ؟
اجابت صفاء وجدت عنوانا لمصلحة حكومية ورقم هاتف .. بجوار اسم اعتقد انه لخاله ..
قال وسام ببداهة متعجبا وهو يخرج جهازة النقال من جيبه :
- إذن علينا ان نتصل به !! اتلي على رقم الهاتف؟
بينما أبدى باقي الاصدقاء مؤازرتهم لصفاء بإخراج هواتفهم ليتلقوا الرقم ...
قالت صفاء بهدوء ..
- إن الرقم لا يعمل ويبدوا أن انتشار الهواتف النقالة .. اضر بالهواتف الثابتة.. لقد ظللت احاول الاتصال ولكن لا شئ على الاطلاق...
بدت الخيبة على وجوه الجميع .. عندها قال احمد مرة أخرى
- إذن يجب على احدنا الذهاب إلى العنوان وسؤال خاله ..

قالت صفاء :
- نعم .. ولكن نحن لا نعرف العنوان بالتحديد فكل ما مكتوب .. هو مصلحة الضرائب (التجار) – فضل الله الخير عثمان ... ثم رقم الهاتف .
عاودت الخيبة أثارها عليهم واعتلت الحيرة وجوههم .. بينما قال وسام بهدوء
- الامر بسيط ولدي الحل ..
..........................................................................................


نواصل في الحلقة القادمة والأخيرة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:41 am


الحلقة الأخيرة (الجزء الأول)
كانت امسية رائعة من امسيات الصيف في احدى ارقي احياء الخرطوم .. النسيم ينساب على وجوه المدعوين برفق بعد نهار غائظ ملتهب الشمس ...
الانوار البهية المضيئة تطرد الظلام في بهو قصر فخيم .. والزينة الملفتة الكثيفة تعلو طبقات المنزل وتنسدل في شكل امواج وسلاسل على واجهته الانيقة ... تقسم الضيوف على طاولات جماعية في شكل حلقات على مؤادب دائرية زخرت بكل انواع المطائب من الطعام والشراب .. تتوسطها كوؤس المياه والعصائر الزجاجية البراقة .. محشوة بمحارم الورق العطرة .. وتحف بها الملاعق والاشواك وتتوزع على جوانبها ما طاب ولذ من المشويات والمقبلات وتتناثر على جنباتها الحلوى والحلويات.. والجميع في مرح وترحاب.
ظلت صفاء تجول وسط الجموع الانيقة .. بكل حفاوة وترحيب وهي تشق طريقها نحو مشارف الدخول .. بعد ان اجتازت الحديقة الوارفة عبر ممر ممرد بالرخام الداكن اللامع ومضاء بزينة ملتوية على طوله الذي يتيح رؤية الازهار والاشجار واقفاص العصافير الجميلة التي طالما اطعمتها بيديها الرقيقتين وهي تقضى معظم سنين عمرها بينهم تلهو وتمرح بين سقاية الازاهير والمطالعة على ارجوحتها ذات التصميم الطفولي تحت ظل الاشجار كانت صفاء تمشى على الممر بملابس انيقة رغم بساطتها وحشمتها إلا انها كانت تضفي عليها الألق وتظهر الجمال البادئ على جسدها الممشوق والكامن في روحها الطاهرة .. كانت تخطو خطوات مسرعة ساعدها عليها حذائها الرفيع الرقيق الذي ازدان بجمال قدميها البيضاء التي تسرع بهما شوقا وتلهفا لمقابلة زملائها واصدقائها ..
لم تنتظر طويلا .. فقد وصلا على سيارتين احدهما يقودها امجد والاخرى وسام ..
كان البشر والحفاوة تطفر من عينيها والسعادة ترتسم تبسما على شفتيها وهي ترحب بهم وتتقدمهم بخطوات سريعة نحو بهو المنزل حيث مكان الاحتفال ..
قالت مي بسرور :
- مبروك يا صفاء وعقبالك ...
التفتت صفاء إليهم وقد توردت خداها مهمهمة:
- الله يبارك فيك .. وعقبال الجميع
قالت مروة مبتسمة :
- بالرغم من اننا التقينا بسجود مرة واحدة عند زيارتها لك في الجامعة إلا أننا كانما نعرفها منذ زمن بعيد ..
قالت ندى مؤيدة :
- من شدة حكايا صفاء عنها دخلت في قلوبنا من قبل أن نراها ...
قالت صفاء وقد بدأت الدموع تحوم حول مآقيها :
- هي أختي الحبيبة والوحيدة وهي التي تفهمني وألتجي إليها ..و..
توقفت بسبب عبرة علقت بحلقها .. برغم انها تتقدمهم في خطوات مسرعة إلا انهم ادركو بانها تبكي...
واصلت صفاء بعد ان سيطرت على عواطفها :
- لا ادري كيف ساقضى بقية حياتي وهي بعيدة عني ...
قال أمجد وهو يسرع في خطوه ويلحق بها :
- أنها سنة الحياة يا صفاء .. ثم انها سوف تكون بالجوار كما اعلم وأن هشام رجل لطيف المعشر طيب القلب ..
أومآت صفاء براسها والدموع تنسكب من عينيها ..
اضاف وسام وهو يلحق بهما :
- سيعيشان بسعادة .. انهما جميلان معا ..
قالت ندى وهي تسرع في خطوها وتطرق الارض بحذائها العالي طرقات منتظمة رشيقة تزيدها جمالا على جمالها الفاتن :
- صفاء .. كفى بالله هذا يوم فرح .. ويجب ألا ترى الدموع ولا أثارها في عينيك .
قالت صفاء وقد بدأ عليها الهدوء ومروة تربت على كتفها :
- إنشاء الله .. إنشاء الله .. تفضلوا
وصلوا جميعا مكان الاحتفال وقادتهم صفاء إلى مأدبة في مكان مميز ،، حيث كان هنالك بانتظارهم احمد وعبير ومها .. وكان يقف بجانبها بعض خادمي الحفل الذين ازاحو المقاعد للضيوف ..
اجتمع الجميع وبدت السعادة والحبور والضحكات تعلو وجوههم الشابة ..
عادت صفاء وبرفقتها شابان وسيمان ببذتهم الكاملة وقامتهم الرفيعة .. ووجوهم النيرة .. لقد عرفوا انهم اخويها قبل أن تعرفهم بهم :
- ماجد محمد السعيد اكبر اخوتي ومازن محمد السعيد الاصغر والذي يكبرني وسجود
ثم بدأت صفاء بالتعريف باصدقائها إلى اخويها وهم يرحبون بهم فردا فردا .. و شكروهم في لباقة لتلبية الدعوة وتمنا لهم تمضية وقت ممتع وجميل وقبل أن ينصرفا تماما سمعا شهقات ندى ومروة وهما يقولان لصفاء ... يا لهما من وسيمان.. ولم يكترثا لنظرات امجد واحمد المستنكرة ولا لضحكات مها وعبير بينما قالت مي في صرامة :
- يجب أن تخجلا ..
قال وسام مبتسما لمي :
- مرحى هيا اردعيهما.
قالت مي بحزم :
- كان الاجدر أن تقولا .. يالهما من وسيمان وفي غاية النبل والذوق..
انفجر الجميع بالضحك رغم عدم ارتياح احمد وامجد ..
ظل الاصدقاء في سمر و وضحك طيلة الوقت
وكانو بحق محل اعجاب وتعليق الجميع باناقتهم الجذابة وروحهم المرحة الجميلة وضحكاتهم الصادقة وسني عمرهم الزاهرة ..
وقبل أن يختتم الحفل .. ذهبوا مع صفاء لألقاء التحية والتهاني على العروسين ..
كانت سجود شقيقة صفاء رائعة الحسن مبتسمة على الدوام وهي تتلقى التهاني بكل حياء وسعادة بائنة على وجنتيها الساحرتين .. كانت تقف لكل مبارك وما اكثرهم .. وكانت تجبر هشام على الوقوف وهو يبتسم في كل مرة ويهمس في اذنيها بأن تتلقى التهاني جالسة .. كانت توعده وسرعان ما تقف لأول مبارك بروحها البريئة وكرمها الأصيل ..
وقفت سجود عندما رآت صفاء تتقدم نحوها ومعها اصدقائها .. فسرت قشعريرة في جسمها الرقيق .. وتحدرت دموعها تبرق على خديها كأنهن ندى بللا ماسة .. وسمع اصدقاء صفاء شهقتها وهي تقترب منها صاعدة السلم الصغير .. تقدمت سجود نحوها وهي تفرد يديها الحريرتين لتضمها في قوة وعنف شديد وظلا يبكيان وينتحبان بصوت مسموع .. اوجع قلوب كل المدعويين ...
اراد مازن أن يهدي من روعهما .. ولكنه لم يستطع إلا أن يضمهما إلى قلبه ولاحظ الكل ارتجافه من فرط البكاء المكتوم..
لحق ماجد بهم وهو يقول بصرامة :
- ما هذا يا مازن .. كفى يا صفاء كفى ..
ظل يكرر هذه العبارات بحدة وهو يفرق بين اخوته .. وانتزع سجود منهما وسحبها من يدها واجلسها على مقعدها .. وهو ينظر بحزم إلى مازن ويأمره بمعاودة الضيوف .. وبينما اصدقاء صفاء يتابعون الموقف بصمت رهيب وهم على مقربة منهم ... وهالهم منظر صفاء وهي قد دخلت في نوبة من البكاء وتغطي وجهها واعينها الباكية بيديها وكفيها الرقيقتين..
لم يستطيع احد منهم أن يقول شيئا ... وظلو في انتظارها حتى تتمالك نفسها ..
هدأت سجود واخذت تمسح عينيها بمنديل هشام الذي قدمه لها في رفق ..
تلاشت الصرامة من وجه ماجد واخرج نافخا هواء ساخنا من فمه وعدل من ربطة عنقه وبدأ نازلا إلى ضيوفه .. اقترب من اصدقاء صفاء وحياهم بابتسامة مرحبة ونظر إلى صفاء التي لم تهدأ بعد وكانت تبكي بصوت مكتوم . وعندما استأذن من اصدقائها واراد الانصرف .. ارتمت عليه صفاء وعلا صوتها من جديد بالبكاء .. ربت ماجد على ظهرها بحنان وأحمرت عيناه وبدأ صوته متشنجا وهو يهديها ويربت عليها بحنو .. حتى سكنت بعد فترة ... امسك ماجد بكتفيها وهزها ..وهو يقول :
- صفاء ..هذا يوم فرح وليس حزن .. هذا فرح سجود ..وغدا سيكون فرحك .. هذه هي سنة الحياة ..
افلتها ماجد وانساب وسط الجموع الدموع قد انهمرت على وجهه ...
...................................................................................................
انتبهت صفاء بأن اصدقائها مازالا واقفين وهم جميعا بجانب العروسين ...
فاعتذرت مهمهمة ومتأسفة وتقدمت نحو سجود التي نهضت واستقبلتهم بابتسامة وسط شحوب ساحر خلفته الدموع .. مرحبة ومتلقية تبريكاتهم وتهانيهم .. كانت صفاء تورد اسمائهم مرة وتصمت مرة مما تعانيه من عدم انتظام في الصوت والتنفس من فرط الحالة التي هي فيها ..
لذلك عندما كان امجد اخر من يهنئ العروسين ..
نظرت سجود إلى صفاء التي كانت تستطرد انفاسها وقالت لها وهي ممسكة بيد امجد في ترحاب وتقول :
- أهذا جابر !!!!؟؟؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:42 am

الحلقة الأخيرة – الجزء الثاني

لم تصدق سجود انها اصبحت زوجة لهشام بعد طول حب وانتظار ، وان نُعم الحياة باتت تتسارع لتفتح لها ابواب السعادة كل يوم... وهذا النعيم الذي يحفها من كل جانب ، مازال يترآى لها كل يوم وهي تصحو بجوار هشام على انه حلم عابر أوأمل قادم .. ثم تهز رأسها مبتسمة وهي تنهض لإعداد الشاي وتجهيز الحمام لزوجها الحنون .. متداركة أنه الواقع المنتظر والدفء المعاش ..
بالرغم من انها تشعر ببعض القيود والاختلاف عما كانت عليه في السابق إلا أنها سعيدة بهذا التغيير وبهذه القيود التي تربطها بهشام .. كانت تحب بأن تراه يستيقظ وينام .. يتحدث ويأكل ويناقش ويتابع الاخبار ويقرأ الصحيفة كانت تحب سكناته وحركاته كانت تريد بأن تكون كطفلته المدللة ترتمي في احضانه فيلفها بالعطف والحنان..
كانت تسعد عندما يودعها بقبلة شاعرية وهو ذاهب إلى العمل أو عندما يعود للمنزل فيحملها بين يديه في شوق حقيقي ... كانت تشعر بذاتها وكينونتها وقيمتها العالية عندما يصطحبها إلى أهله ومعارفه فتظل تجلس بجواره مبتسمة تراقبه وهو يتحدث باشا هاشا محركا يديه فتتحرك معها كل عواطفها وكانت تشعر بأنهما كيان واحد حين يبتسم لها أو ينظر إليها يريد دعمها في الحديث .. كان يعجبها أن يلحظ ذووه مدى التغيير والسعادة التي بانت على ابنهم المحبوب.
حتى لحظات الآلم وسحب الخلاف التي تعتريهما من آن لآخر.. كانت تقف عندها بكل أناة وحلم وتحمل يخشى هشام منه على قلبها البرئ فيسرع بضمها وتطيب خاطرها ولا يجد عناء اكثر من رؤيتها تبتسم وخداها قد تبللا بالدمع ...وتشعره بحبها الكبير.
كان هشام يحب أن يرى الابتسامة دائما على وجه سجود تلك الابتسامة التي طالما طافت على مخيلته عندما يشتد به الوجد ويتقاذفه الهوى .. كان يسعده أن يجلب لها كل ما تحبه وتشتهية .. كان قلما ما يدخل البيت ويداه فارغتان .. كان يقتنى الاشياء حسب ما تحب من الالوان .. ويجلب الهدايا التي توافق اهتماماتها وشغفها ..
برغم الحياة الجديدة التي طرأت على هشام عقب زواجه فإنه ما زال يحتفظ بجزء كبير من اهتماماته وهواياته بل أنه استطاع أن يشرك فيها سجود التي تقبلتها بكل حماس والتي تأتي في مقدمتها حبه لاصدقائه ولعب التنس والسباحة والصيد ..
كان الصيد اكثر ما يهتم له هشام .. فقد تعلم من ابيه ما ورثه من ابائه واجداده اجادة فنون الصيد وحبها..
أزدادت مواهب سجود في فن الطبخ وصنع الحلويات .. واستطاعت أن تضع بصمة خاصة في كل ما تلمسه يديها ... يكتشفها الصغار قبل الكبار .. كما انها قد تكشفت لها جوانب كثيرة في الحياة .. ورأت أن خلف هشام يوجد عالم من النشاط والحراك يتسم بالبهجة والمتعة ... وسريعا ما انخرطت فيه ،، فاصبحت لها عضوية في احد أندية الخرطوم الراقية واشتركت في بعض من الجمعيات الخيرية .. وسرعان ما قابلت القبول والاستحسان من مختلف العضوات وتبؤات مكانة رفيعة في قلوبهن لما لها من طيبة قلب وحسن جمال وصفاء نية. وكان صوتها الرقيق يتعمق في قلوب كل من تعرف بها.
وكانت الشيئ الوحيد الذي ينغص عليها حياتها هو خروجها للصيد مع هشام وعائلته المهوسة به ..
كانت لا ترى فيه اي متعة بل أنها كان يرق قلبها لمنظر الغزلان الجميلة والارانب البرئية والطيور الزاهية وهي تعاني الرعب والموت .. وتشمئذ من هتافات الصيادين بالغبطة والزهو...
بيد أنها لا ترغب في أن تضع حدا في عرف من اعراف انسبائها ولا تحب ان تفسد حميمية تواصل هشام بابيه واخوته : كانت تشاركهم مجبرة من تلقاء نفسها .. كان هشام يشعر بعدم رغبتها هذه ولكنه كان يمنى نفسه بأن الوقت وحده سوف يجعلها تتعايش وتحب خروج الصيد لذلك كان يحرص ان ترافقهم في كل رحلة .. وأن لا يجبرها إذا تمنعت وتعذرت .. رغم انها كانت في الاغلب لا تتمنع..
ولا تستطيع سجود أن تنسى أول رحلة لها في الصيد وهي في بواكير زواجها..
كانت تدرك بأن التنافس المحموم بين هشام وناجي زوج سلوى اخت هشام الكبرى.. لا يبشر بخير .. حيث كان يحرص كل منهما على تحقيق افضليته على الآخر .. وان هشام خلاف على اخلاقة الكريمة وطبعه المهذب .. كان يستهويه التحدى ويستنفر طاقته امام كل شيئ يواجهه ..
فظل يسرع بعربته المعدة خصيصا للبراري والاحراش .. ويتعمق في أودية وسهول شمال الخرطوم بحثا عن صيد يبلغه التفوق ويضمن تفرده ..
كانت السيارة تسير مبتعدة عن بقية المشاركين .. كان الحماس والتصميم متجليان على تقاطيع وجه هشام والقلق ظاهرا على سجود..
خفف هشام على سرعة السيارة عندما لاحظ امارات الفزع وسجود تتأوه وتصرخ من وعورة الطريق واهتزاز السيارة ..
كانت الشمس تجنح إلى الغروب .. عندما قرر هشام العودة بعد ان حمل ظهر السيارة الكثير من الصيد ..
كانت السيارة تسير ببطء من واقع حملها مع نتوءات الطريق الغير ممهد ..
ظلت سجود تنظر إلى البراري وقد اكتست رمالها الصفراء ببعض شجيرات الاودية واشجار الشوك الكثيرة المتناثرة في كل اتجاه .. نظرت إلى هشام مبتسمة وابلغته شعورها الغريب الذي يجتاحها في مثل هذا الوقت .. شعور اشبه بوداع صامت حزين ..
ابتسم هشام وهو يرى علامات الهدوء على وجهها ا رغم السمرة التي اعتلته كان ابيضا ونصفه يختفي خلف نظارة كبيرة سوداء وشعرها الاسود تتقاذفه نفحات الهواء التي خفت سخونتها ..
كانت تلك الزكريات تمر بخاطر سجود .. ولا تنسى الاوقات العصيبة التي مرا بها بعد أن شعرا ببطء السيارة وتمايلها على الممر العميق الضيق ..
ولخبرة هشام الكبيرة استطاع ان يخرج بها من تلك المناطق واجتاز مسافة مقدرة لتتوقف السيارة على مشارف المدينة وأثنين من اطاراتها قد اصابهما الضرر..
لم تكن هنالك وسيلة اتصال .. فشبكة الهواتف النقالة الحديثة لم تكن قد غطت تلك المناطق بعد .. والشارع الرئيسي لمدخل المدينة مازال بعيدا ..
نظرت سجود بخوف إلى هشام الذي بدأ متماسكا وهو ينظر إلى السيارة وإلى الإطار المثقوب والأخر التالف ... وهو يضع هاتفه النقال في جيبه بعد ان جال به في الجوار والاراضي المرتفعة قليلا..
ثم ابتسم إليها وقال ممازحا لقد خرجت دون حماسة ... وهذا بسبب شعورك غير المريح لهذه الرحلة .. لم ترد عليه بل ظلت تنتظر اخراجه لها من هذه الورطة ..
ظلت تنظر إلى ساعتها بقلق وإلى قرص الشمس الذهبي وإلى هشام دون أن تنطق بكلمة .. كانت ترقب هشام وهو يجول ببصره الافاق وقد بدأ عليه الارتياح عندما لمح فتى على عربة يقودها حمار ... هتف هشام بصوت عالى وهو يضع يديه حول فمه ليجعله جهوريا ..
- هيييييييييييييييييه ايها الفتيى ..
لم تستطع سجود إلا وهي تشعر بالفرح واخذتها نوبة من الهستريا وهي ترفع يديها مع زوجها لذلك الفتى يستحثونه للقدوم ..
استجاب الفتى لندائهما وقفذ راجلا على قدميه يتقدم عربته ممسكا بلجام الحمار يشده إليه متجاوزا به بعد الرمال ...
تبين لهشام وسجود بأن العربة عبارة عن خزان مياه في شكل برميل طويل وان قائدها ما هو إلى طفل في الحادية عشرة من عمره .. ابتسم هشام للطفل وهو يشرح له مشكلتهما .. ما كان من الصبي إلى أن اطلق الحمار من العربة وطلب من هشام مساعدته في تفريغ المياه ..
بعد ان افرغ الماء ربط الحمار ووضع على سطح برميل الماء الصيد وتقدم راجلا بالحمار وطلب من هشام وسجود مرافقته..
لم يكن امامها شيئ سوى مرافقته .. وقد شعرا بالراحة وهم يجدون في الصبي الثقة وحدة الذكاء هذا غير اللطف والكرم البادئ على قسمات وتقاطيع وجه الصغير ..
لا تدري سجود لماذا قد احبت ذلك الطفل منذ أن رأته على عربته وهشام يلوح له ..
لم تنشغل بالهمة التي اظهرها ولم تثنيها اشنغاله بجر الحمار وانتباهه لمزالق الطريق عن اللحاق به تتجاذب معه اطراف الحديث وتوجه له بعض الاسئلة :
- قل لي .. ما اسمك ؟
- حامد
- كم عمرك يا حامد
- احدى عشرة سنوات
- هل تدرس يا حامد ؟
- نعم
- في أي صف
- الخامس
- جيد جدا .. ياحامد اين تدرس ..
- في مدرسة عمر بن عبد العزيز الاساسية
- وأين تقع هذه المدرسة
- في مدينة شرق النيل ..
هنا بدأ الاهتمام على هشام وتسأل كيف يكون في شرق النيل وقد اتجهوا شمالا بمحاذاة النيل يبدو أنه انجرف كثيرا عن المسار .. سأله هشام عندما لاحظ ترحيب الصبي بالاسيلة وقابله بمرح واهتمام ظاهرا على وجه الباسم :
- حامد أين تسكن
- في مزرعة كبيرة خارج المدينة
- كم تبعد من هنا
- لقد اقتربنا منها .. انظر إلى تلك الربوة خلفها تقبع المزرعة
- وكم تبعد هذه المزرعة من المدرسة ..
- مسافة بعيدة
- كم تقريبا؟
نظرت سجود متفاجئة إلى هشام لنبرته الحادة .. وقد بدا على حامد التفكير .. قبل أن يقول ..
- استغرق قرابة الساعة مشيا ... ؟؟
تعجب هشام بينما ظهرت رقة سجود في سؤالها له
- هل تذهب كل يوم إلى المدرسة مشيا ؟!
- لا ..صباحا عادة ما أكون مع اخي (البصير) على ظهر العربة عندما يذهب لبيع الماء إلى الزبائن.. ولكني دائما اعود راجلا في نهاية اليوم الدراسي.
قالت سجود وهي تنظر إلى الصغير في وجل :
- اكل يوم تفعل ذلك .. أليس شاقا عليك ؟!
- ليس كثيرا فقد اعتدت على الامر .. ولكن بالنسبة (لصابر) فالأمر جد شاق.
قالت سجود مندهشة وهي تنظر إلى هشام الذي بادلها التساؤل :
- صابر من ؟
- اخي الاصغر .. فهو في عامة الأول في المدرسة .. انه يعود متعبا ويظل نائما طوال اليوم ..
- هل صابر يمشى كل هذه المسافات ..
- نعم .. حيث يتعين علينا ان نقوم فجرا حتى نخرج مع عربة المياه ..
قال هشام بحيرة ..
- ولكنك الآن تقود العربة ؟
- نعم .. اقودها عند المساء .. حيث يتوجب على ايصال الماء إلى بعض الانحاء التي لا توجد بها مياه ..
- وأين يذهب البصير ؟
- يفلح الارض ويهتم بها ؟
قالت سجود متعجبة وقلبها يكاد أن يتفطر :
- اتذهب إلى المدرسة وتعود في المساء للعمل على العربة ؟
أومأ حامد براسه مبتسما وهو يرى التعجب في وجه هشام وزوجته ..
نظر حامد إلى الأمام ورفع يده مشيرا إلى المزرعة حيث مسكنه ..
وصلو جميعا إلى المزرعة وبدأت الشمس تغوص في الافق .. تجمع اشعتها الباهتة إليها ..
رأت سجود مزرعة كبيرة مترامية الاطراف .. بدت خاوية وكأنه قد تم هجرها منذ زمن بعيد ... واستطاعت أن ترى بعض المباني في حيز ضيق على ركن المزرعة.. فسارعت إلى حامد بالقول مشيرة إليها :
- أذاك منزلكم ؟
نظر حامد إلى ماكانت تشير إليه سجود وهز راسه بهدوء نافيا .. وقال بصوت متضرب :
- لا .. هذا منزلنا
واشار حامد إلى شيئ يقبع خلف حشائش واشواك ممتدة تجبر الداخل المرور بمكان ضيق لشدة تراص الاشواك .. .
قاد حامد صاحبيه إلى الطريق وادخل فيه عربته المحملة بصيدهم .. وعندما رآهم واقفين في ارتباك .. اشار لهم بيده لمتابعة السير ..
ازاح هشام بعض افرع الشوك عن الطريق حتى يضمن سلامة سجود التي دخلت وهي تقلص اطرافها إليها وعندما ولجت إلى المكان رأت سكن حامد ::
هالها المنظر وهي ترى حامد يفض العربة من الحمار ... وربطه في مكان يبدو مخصصا له ووقف بجانب كوخ قصير .. تم تشييده بكل شيئ قذفه الهواء نحوهم .. تكون اساسه من لبنات من الطين ومالبث ان تم تشييد الجدران بجوالات الفحم والسكر والدقيق .. وبعض مشمعات الحفظ ورقاقات الصناديق الورقية وكثير من الاشياء التي لم تتبين لها ... ثم بدأ السقف خليطا من القش ومن ذالك الخليط العجيب .. كان هنالك كوخا اقل منه شأنا بجواره تفصلهما شجرة كبيرة ظليلة علق على افرعها خراج (الروب) والسمن البلدي وعند جزع الشجرة كان هنالك علامات لنار توقد ، حيث بدا كأنه مطبخ حيث الأواني القليلة المتواضعة متراصة على دكة خشبية وبجوارها يتكي (صاج) على موقد مازال يحتفظ بفحم قد تم اطفائه بماء وفي اعلى ساق الشجرة كانت هنالك قطعة من جوالات الخيش قد تم فردها عبارة عن سقف لهذا المطبخ .
نظرت سجود إلى المكان وإلى القدر الملقى على الارض بين الكوخين وبه خطوط طعام قد تم مسحها بالايدي استخلاصا لما فيه .. كان منظره وهو معفر بالتراب يدل على الوقت القصير الذي تم الفراغ منه..
وكانت هنالك ثياب مدرسية لم تجف بعض معلقة على حبل ممدود بين الكوخين .. وكان اثار ببلها على سرير صغير خشبي منسوج من الحبال (عنقريب) بجواره طست يقف على حائط الكوخ الصغير ..وقطعة الصابون الصغيرة مازال لم تجف بعد وهي موضوعة على احد اعمدة العنقريب (السرير الصغير) (المرق) ... وعلى ظل الشجرة المبتعد شرقا متجاوزا مكان صنع الطعام وضعا سريرين كبيرين من الحديد تم فرشهما بلحفات محشوة بالقطن ومغطاة بأغطية نظيفة بالرغم من ضآلتها وقدمها.
تبادل هشام وسجود النظرات وحامد يدعوهم للجلوس على السريرين وهو يصلح من حال الأغطية ..
في هذا الأثناء خرجت أمرأة من احد الأكواخ بقميصها القصير وعندما رآت الضيوف سرعان ما عادت إلى الكوخ .. لتخرج بعض برهة من الوقت وهي تلف جسدها بثوب لم يفلح بستر شعرها بالكامل حيث خرج بعضه الملفوف على شكل كعكة اثر ثقب عليه.
نظرت إليهم واسرع حامد يشرح لها الأمر فما كان منها إلا أن رحبت بهم ترحيبا حارا .. واخذت تطمئنهم بعبارات سودانية كريمة ..
- يا أولادي لا تقلقوا سوف يتم تصليح كل شيئ .. تفضلوا لماذا الوقوف .. اسرع ياحامد اخبر البصير ...
لم تهدأ المراة إلا بعد ان جلس هشام وسجود .. وشعرت بأنهما قد أستأنسا بالمكان ثم ذهبت تستأذنهم .. غابت للحظات ثم عادت وهي تمسك بيد صغيرها الذي كانما نهض من النوم ..
وامرته باسمه وقد كان (صابر) بأن يوقد النار ريثما تنظف هي باحة المنزل ..
امسكت المرأة بمكنسة مصنوع من القش (مقشاشة) واخذت تنظف المكان والتقطت القدر الملقي .. وسارعت بغسله ووضعه..
ثم عادت تنظف المكان .. وتلتقط بقايا فضلات طفل صغير بجانب الحائط بإناء مخصص لذلك لتلقى به في مكان بعيد .. وتواريه عن اعين الناس .. ثم تقوم بتنظيف المكان ..
..................................................................................................
اعترض هشام على ما تريد أن تفعل المرآة واخبرها بأنه لا حاجة بها لاعداد طعام .. فهما ليسا جائعين .. وانهم ..
لم تستمع المرآة إلا ما يقولان وباشرت باخراج أوانيها ...
اصر هشام وسجود على انهما ليس جائعين .. خلاف ما يشعران به ... ثم اصرا عندما اصرت على الامر بأن تصنع لهم الطعام من الصيد الذي احضروه ...
ظلت سجود ترقب المرأة وهي تعد الطعام بكل همة .. ورأتها كيف تخرج الجلد من اللحم ثم تبدأ باخراج اللحم وتكسيره وتقطعيه ...
وبينما سجود في حالة تأمل خرج طفل صغير من احد الأكواخ شبه عاري كان يرتدي قميصا ولا يرتدي شيئا في شقه الاسفل..
بدأ الحياء على وجه سجود وهي تنظر إلى هذا الطفل البرئ الذي جاء مهرولا بخطواته الأولى في تعلم الجري نحوهما .. يمد يده الملطخة بالطعام والتراب .. وقميصه به بقايا طعام و مشرب بسائل الانف علق به تراب .. مرحبا بهم . نظر هشام إلى الطفل الصغير الباسم وكان منظر فمه الضاحك وبه اسنان قليلة .. يجعل وجه لطيفا ومحببا .. وكان ذا طبع مرح.
بدأ الحرج والاندهاش على المراة وهي ترى صغيرها بمنظره هذا يصافح الضيوف .. فنادت صابر .. بأن يلبس اخاه ملابسه ..
هرع صابر إلى داخل الكوخ ثم عاد وهو ممسكا ببنطال قصير متجه مسرعا نحو الصغير .. وما أن رآه الصغير حتى اطلق ساقية الصغيرتين للريح .. فجرى صابر خلفه وهو يناشده بأن يقف .. فيقف الصغير حتى ما أن يقترب منه يفلت منه ويجري وهو يقعقع من الضحك .. فيلاحقه صابر وقد توقف من فرط الضحك على مواصلة الجري ... ثم يلحق به فيقوم الصغير بالجري مرة اخرى مقتربا من هشام وسجود كانه يطلب أن يلوذ بهما ..
ضحك هشام بينما كتمت سجود ضكحتها من فرط حركة ارجل الصغير وهي تلتف يمنية ويسارا عند جريه.. وهي تتحاشى النظر إلى الصغير المترنح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فيصل الزهراوي
عضو فعال
عضو فعال
فيصل الزهراوي


عدد المساهمات : 1336
تاريخ التسجيل : 05/11/2009

المستحيل .. Empty
مُساهمةموضوع: رد: المستحيل ..   المستحيل .. I_icon_minitimeالأحد ديسمبر 13, 2009 10:45 am


الحلقة الأخيرة – الجزء الاخير


حضر حامد برفقة شاب طويل نحيف الجسد ... سرعان ما عرفهم بانه اخاه البصير ..
وقف البصير ينظر إلى ضيوف حامد باهتمام وابتسامة مرحبة تعلو وجهه ..
ادرك البصير الموقف وطلب من هشام بعض النقود .. ثم غاب داخل احد الاكواخ وعاد يحمل كيسا ثقيلا وضعه على الحمار ثم طلب من حامد .. ان يجهز مفارش الصلاة واباريق المياه ..
رافق هشام البصير بعد أن اعاره صندل من البلاستيك .. للوضوء لمكان الصلاة وكان لا يبعد عن الاكواخ حيث يجتمع بعض عمال المزرعة لأداء الصلاة جماعة... ثم رجع البصير إلى بيته وعاد وهو يحمل يحمل كرسيا ويرافقه رجلا يضع يده على كتفيه متكئا ...
أم البصير المصلين بعد أن رفض هشام تقديمه للصلاة،،،
في هذه الاثناء كانت سجود تشعر بآلام في بطنها .. وسألت المراة والدة حامد عن مكان قضاء الحاجة ...
وضعت المرأة ما في يدها .. وذهبت إلى خزان الماء وهو عبارة عن برميل مغروس بجور شجرة المطبخ .. وملأت إبريقا بالماء .. ثم طلبت من سجود مرافقتها ..
كانت سجود ترافق المرآة وهي تنظر إلى موضع قدمها حتى لا تطأ أو تعلق الاشواك بملابسها ...
وقفت المرأة عند دائرة مبنية من الطين لا يتجاوز ارتفاعها المتر .. واعطتها ابريق الماء .. ثم عادت إلى الكوخ ...
.. .. دخلت إلى الدائرة لتجد ثقب في منتصفها ينفذ إلى بئر تحتها وتحف به مجموعة هائلة من الصراصير ... نظرت سجود حولها في ذهول وهي ترى من مكانها الرجال يؤدون صلاة المغرب... فجلست حياءً .. تستتر ...وهي لا تدري من اين تبدأ ..
بعد أن افرغت امعائها .. خرجت سجود تتقيأ .. وزرفت دموعا .. مختلطة من فرط التقيؤ و من شدة التأثر على هذا البؤس ...
اسرفت سجود في غسل يديها وقدميها .. قبل وبعد أن توضأت ..
وبعد ان فرغت من الصلاة وحمدت الله على كل حال ... رأت المرأة وهي توقد مصباحين كبيرين جاء حامد اخذ احدهما وذهب به إلى مكان الصلاة .. بينما وضعت الاخر بين السريرين ...جلست المراة على احدهما وواصلت عملها ..وجلست سجود على الآخر ترقبها في صمت ... نظرت سجود مليئا إلى هذه المرأة .. فهي ما زالت شابة وتمتع بقدر وافر من الجمال ورغم جسدها الملفوف بالثوب إلى أنه مازال يبدو نديا وطريا .. رغما عن حياتها الخشنة والقاسية .. دارت تساؤلات كثيرة في راس سجود وربما احست بها المرأة ونظرت إليها مبتسمة :
- ما بالك
تنبهت سجود إلى نفسها وإلى أنها كانت تحدق فيها باستمرار وقالت وهي متفاجئة.
- لا.. عفوا .. لا شيئ
ثم نظرت إلى الضوء الكثيف المنبعث من المصباح
- ما هذا المصباح .. ماشاء الله به ضوء باهر.
- هذا اسمه (الرتينة)
- الرتينة... ماشاء الله شيئ جميل
نظرت المرأة في تعجب لها وواصلت اعدادها للطعام
قالت سجود باهتمام مبتسمة وكأنها تذكرت شيئا
- اعذريني إلى الآن لم اعرف ماهو اسمك ؟
ضحكت المرأة وقالت وابتسامة طيبة تشرق وجهها :
- اعذريني انت فلم اتحدث معك منذ ان حضرت .. انا اسفة جدا.. اسمي محاسن .. وانت ما اسمك :
- محاسن .. اسم جميل .. اسمي سجود
- يا الله يا له من اسم .. فعلا سجود .. فلقد رأيتك تطيلين السجود في الصلاة ..
- نعم .. احب هذا الاسم واحب ان اطيل السجود في الصلاة .. فعنده اشعر بأن الله راض عني ..
سكتت سجود ثم قالت :
- لقد رأيت البصير يساير رجلا يبدو عليه المرض هل هو زوجك ؟
- نعم .. فهو يعاني من آلام في الظهر بسبب انزلاق في الغضروف.
- لما لا يتعالج منه؟
- لقد كان بحالة جيدة وقد اجريت له عملية جراحية .. ناجحة .. ولكنه لم يستمع إلى تعليمات الطبيب .. فلقد طلب منه عدم الحركة وان يخلد للراحة بضعة اشهر ؟
- ولماذا لم يخلد للراحة ؟
- كان لا بد له من العمل ... فهو يعمل في المزرعة ويعمل سقا .. ويقوم بحراسة المزرعة .. وأشياء اخرى .. طلب منه اخي وابني بأن يخفف العمل وان يترك باقي الاشغال للبصير .. ولكنه رفض ؟
- لماذا يرفض وهو يدرك مغبة مخالفة الطبيب؟
- لا ادري .. فلقد كان يريد ان يسلح ابنائه بالعلم وان لا يشغلهم بالعمل.
- انه عمل شاق ... وهو يعاني كل هذه الألام..
- نعم .. ولكنه لم يستطيع ان يستمر في العمل .. فقد عاودته الألام واصبح لا يستطيع الحركة كثيرا ...
- ربنا يشفيه .. إنشاء الله ربنا معاه.
- شكرا ابنتي .. ربنا يعين الجميع.
- كم ولدا لديك .. محاسن ؟
- عندي والحمد لله أربع ابناء .. البصير .. حامد .. صابر .. وأخر العنقود شاكر..
ثم صمتت قليلا وقالت بصوت عميق
- كانت لى ابنة ... احلام ... رحمها الله
رأت سجود علامات الحزن على وجه محاسن وما لبثت ان انطلقت دموع من عينيها بغزارة ... عملت جاهدة على توقفها وهي تمسح عينيها بطرف ثوبها :
وتتكلم بصوت متحشرج :
- الحمد لله .. الحمد لله .. كانت اصغر من البصير ... الحمد لله على كل حال ... اللهم ارحمها واغفر لها ..
قالت سجود وقد رأت محاسن وقد غلبها الحزن
- الحمد لله .. يا محاسن .. ربنا يغفر لها إنشاء ويصبركم .. لديك من الابناء ماشاء الله ربنا يحفظهم لك.
أومأت محاسن برأسها وهي تحمد الله وتستغفره .. والتقطت سكينها وشرعت في مواصلة اعداد الطعام.
أرادت سجود أن تغير مسار الحديث .. فقالت بصوت مرح؟
- ماشاء الله .. لديك ابناء اذكياء وذو همة عالية .
نظرت لها محاسن وكأنما علمت مغذى حديثها وقالت لها مبتسمة
- نعم والحمد لله .. فحامد دائما نتائجه في المقدمة .. وصابر ذكي ولماح اعتقد انه سوف يصير ذو شأن .. اما شاكر فهذا الله اعلم ما الذي سيفعله بنا .
واطلقت محاسن ضحكة وهي تضيف :-
- لا تتصوري هذا الولد الشقي الصغير كما يتعبنا في اليوم ...
قالت سجود متعجبة ومرحة:
- شاكر ؟ .. لا . لا يعقل انه في غاية اللطف
- نعم انه كذلك ولكنه .. ذو حركة دائمة .. احيانا نقوم بالليل .. فلا نجده ..نظل نبحث عنه بالمصابيح والصراخ .. فلنقاه بعيدا عن المنزل وهذا خطر .. حيث تكثر في هذه الانحاء الكلاب الضالة .
- هذا .. فعلا خطر ... يجب ان تحكموا اغلاق ...
صمتت سجود واحست بالاحراج وهي تنظر إلى الاكواخ التي ليست لها فناء اوباب ...
ولم تعرف بماذا تواصل حديثها .. ولحسن حظها رأت البصير وهو قادم نحوهم .. فتعلقت ابصار محاسن به.
القى البصير التحية عليهم ..وبدأ يطلق قيد الحمار تأهبا للمغادرة .. وطلب من والدته ان تعطيه مصباح ... وضعت محاسن ما في يدها وغابت داخل الكوخ ثم عادت وهي تحمل مصباحا قديما اعطته للبصير الذي قام بتثبيته على سرج الحمار ...
احست سجود بأن البصير يختلس النظر إليها من آن لأخر .. حتى انها ارتبكت عندما بدأ مخاطبتها :
- هل انت على ما يرام
- الحمد الله
- سيكون الآمر على خير .. لا تقلقا
- إنشاء الله
امتطى البصير الحمار ..وغادر إلى مكان السيارة المعطوبة ..
...................................................................................................
تناول هشام الطعام مع والد حامد وعمال الزراعة .. الذين ابدو سعادتهم بصنوف الطعام .. واطلقوا دعابات كثيرة حول .. اخر مرة اكل فيها لحم غزال .. او حتى ضأن ..
كان هشام سعيدا .. بنوادرهم وحكاياتهم وطرفهم المتعددة ..
كانت سجود ترتشف شايا مع محاسن وهي تسمع قهقهة هشام وصحبه وترى مدى ارتياحه وانفعاله معهم ..
لم تترك محاسن سجود تنهي طعامها باكرا .. وقد اصرت عليها في كل مرة بمواصلة الطعام ... وكانت قد عبرت بصدق بأن هذا اجمل طعام تناولته في حياتها ..
قطعت سجود الصمت القصير الذي ساد بينها ومحاسن متسائلة ببراءة:
- لقد رأيت بعض المباني القليلة على اطراف المزرعة .. لماذا لا تستغلونها سكنا لكم ؟
- كنا نقطنها في السابق.
- وماذا حدث ؟
- لقد مر صاحب المزرعة بضائقة مالية .. وقام باخراجنا منها قبل أن يتم بيعها.
- ولماذا اخرجكم .. أليس صاحب المزرعة الجديد في حاجة إلى من يديرها ؟
- نعم ... ولكنه اشترط ان تكون خاليه .
- إذن ألا يوجد مكان تذهبون إليه ؟
- لا ..
ثم قالت محاسن وقد اعترتها الهموم :
- هذه قصة طويلة يا ابنتي ؟
نظرت سجود إلى محاسن تحثها على التحدث ...
جمعت محاسن افكارها وشعورها ثم بدأت تروى قصتها :
- لقد تزوج أبي بأمي على أمراة ثانية .. ومنذ اول يوم ناصب قومها و اهل ابي امي العداء .. بالرغم من استمرار زيجتهم كانت تبدو صعبة إلا نه انجبنا انا واخي .. لم تستطع امي ان تواصل هذه الحياة فقد ماتت من شدة الامراض والاوجاع ولقد عانينا بعدها معاملة قاسية من كل جانب .. ولم يلبث ان توفى والدي وقد كان كبيرا في السن لنجد انفسنا ايتاما .. لا عائل لنا .. حيث لم يعتني بنا اخوتنا بعد ابي بل حرمونا اخوتنا من كل شيئ ... لقد اسودت الدنيا في وجهنا ونحن مازلنا صغارا .. ولقد سخر الله لنا عمي وهو شقيق والدنا الأصغر .. لقد كان عطوفا وكريما .. فضمنا إلى اهل بيته يطعمنا ..ويعلمنا ويكسونا .. ولم يكترث لمضايقات اهله وابناء اخيه .. ولقد عشنا مع ابنائه لا نشعر بفرق بل كان يخصنا ويؤثرنا على ابنائه .. مرت السنين .. وكبرنا في بيته الكريم .. حتى توفى إلى رحمة الله .. فخرج اخي وجاء إلى الخرطوم ليبحث عن عمل .. وظللت انا في بيت عمي .. لا آب ولا أم ولا اخت وحت اخي صار بعيدا عني .. وعمي الذي عوضني بحنانه عن كل شيئ قد غاب عنا ...وكان ابناء عمي حقيقة يعاملونا معاملة حسنة ولطيفة ولكن كان اكثرهم قربا لنا .. سالم .. فقد تقدم لخطبتي طالبا يدي للزواج .. فعارضه أهله .. ولكنه اصر .. فحضر اخي واتتمنا الزواج وصرت زوجة سالم ... بالرغم من ان اهل عمي طيبون ولكنهم لم يتقبلوا الوضع بصدر رحب .. فما كان من سالم إلا وان حزم حقائبنا ..وجئنا إلى الخرطوم ونحن حديثي الزواج ليبحث زوجي عن عمل .. مكثنا مع اخي الذي وجد وظيفة عامل في احدى مؤسسات الحكومة .. .. ظل سالم يخرج من الصباح مأملا وباحثا عن عمل ويعود في المساء مبتسما ومصمما على معاودة البحث في اليوم التالي ... وفي احد الأيام جاء سالما سعيدا ومبشرا بأنه قد وجد عمل .. ثم رحلنا إلى هذه المزرعة وسكنا في تلك المباني و لم اصدق من شدة الفرح وقد كانت تلك اسعد ايام حياتنا .. ظل سالم يعمل بهمة ونشاط ..واستفاد من معرفته الكبيرة بالزراعة أن يجعل من هذه الارض خضراء تنتج انواع كثيرة من الخضروات .. بعد ان اشرف على حفر البئر .. وتربية المواشي .. تلك المباني شهدت ولادة البصير واحلام وحامد ... صحيح لم يكن لنا جيران أو اناس نتداخل معهم .. ولكن كانت تزورنا عوائل العمال من آن لآخر ..وكان مالك الارض يقوم بدعوة معارفه واصدقائه في ايام العطلات .. فتذبح الذبائح وتوقد النيران .. سارت الامور على هذا المنوال حتى جاء اليوم الذي تنكر لنا ...فقد اصيب سالم بانزلاق غضروفي حاد فقلت حركته ومن ثم تدنى اهتمامه بعمله وبالمزرعة علاوة على ذلك فقد مر صاحب المزرعة بازمة مالية حادة قام على اثرها ببيعها .. وطلب منا مغادرتها ..ثم انتقلنا إلى هذا المكان وقد كنت حينها حبلى بصابر ولم يكن معنا من النقود ما يكفي لنستأجر منزلا ... ظل سالم يعمل مع المالك الجديد الذي لم يكن له اهتمام كبير بالمزرعة .. فهو يطالب بالعمل دون أن ينفق عليها .. ضاعف سالم جهده حتى يستطيع ان يلبى حاجة ابنائنا وان يواصلو تعليهم خاصة وان احلام كانت بنيتها ضعيفة ومصابة بالربو الشعبي وتحتاج للعلاج على الدوام .. ظل سالم يعمل بالمزرعة وبالسقاية طوال اليوم حتى تفاقمت آلامه ... وصحونا ذات يوم وهو يعجز عن الحركة .. اسرع البصير في طلب اخي الذي عاد وقام بنقله إلى المستشفى لتجرى له عمليه في ظهره ... ليخلد للراحة مدة طويلة بأمر الطبيب .. ولكنه لم يكترث للأمر ولا لمناشدتنا .. فعاود العمل حتى يطعمنا ويتعلم الابناء وتتعالج احلام ... لكنه ما لبث ان عاودته الآلام مرة اخرى تلهب ظهره بسياطها .. وتشنجت حركته .. عندها قام اخي بتولى الأمر لمدة طويلة ...
ولكن بعد وفاة احلام .... مررنا بظروف قاسية ... غادر بعدها اخي إلى الخارج طلبا للعلم واضطر البصير لقطع دراسته وتولى امر العمل.
كانت محاسن تلقى قصتها على مسامع سجود ولم تنتبه إلى الدموع الكثيفة التي تبلل وجه سجود .. حيث كانت تسرد قصتها وهي تنظر إلى كوب الشاي الذي في يدها كأنها تستعين به على تحمل آلامها.
...................................................................................................
لم تفيق سجود من حزنها إلا على أثر ضوء قادم من بعيد .. فنظرت إليه فتبين لها أنها سيارة قادمة .. وما أن اقترب صوت محركها حتى عرفت انها سيارتهم ..
شقت انوار مصابيح السيارة الظلام الذي يلف بمسكن حامد .. ووقفت السيارة خلف الاشواك ..وتدل منها البصير ... وقام بأنزال الحمار من على متنها وساعده في ذلك حامد وبعض عمال الزراعة ..
شد هشام على يد البصير ..وشكره .. وشكر الرجال بعد أن قام بتوزيع باقي الصيد عليهم ...
احتضنت سجود محاسن بكل حواسها وعواطفها .. مودعة لها وعبراتها تبلل خديها .. ثم ذهبت لتطبع قبل دافئه على خد شاكر وهو نائم على العنقريب.. ثم اخرجت بعض ورق النقود ودستها في جيب صابر .. الذي اخرجها رافضا ومستنكرا .. حتى شعرت بالحياء والاحراج من تصرفه .. إلا أن محاسن نظرت له نظرة تحثه على قبولها .. فما كان منه إلا أن قبلها وشكرها ..
رافق الجميع هشام وسجود إلى حيث تقف السيارة .. لوداعهما ...
جلست سجود على مقعدها في السيارة .. حيث ظل هشام يودع الرجال ويدعو لسالم بالشفاء ... ثم وقف امام البصير الذي كان هادئا يرمق سجود بنظرات متقطعة لاحظها هشام .. فقال له بصوت جاد :
- كم المبلغ ؟
نظر البصير بهدوء إلى هشام وقال بلهجة كريمة :
- أي مبلغ؟
- أجرك وتكلفة العمل الذي قمت به؟
- لقد اخذت منك النقود ؟
- لا .. فتلك بسيطة بالكاد تكفي لاصلاح الاطارات ؟
- لقد كفت والحمد لله
- أنا أسأل عن أجرك انت؟
ابتسم البصير وقال معاتبا :
- انتم ضيوف حامد ..
صمت ثم اضاف وهو ينظر إلى حامد الذي علت وجه ابتسامة خجولة:
- ضيوف حامد ..هم ضيوفنا
وقف هشام حائرا ينظر إلى هؤلاء الناس .. ثم مد يده مصافحا حامد بحرارة ثم البصير .. واستأذن بالانصراف وسط دعوات الحاضرين بالسلامة لهما.
ادار هشام المحرك .. بينما تجاوبت سجود ملوحة مع تلويحات محاسن وحامد ونظرت إلى وجوه الحاضرين متفحصة فوجدتها تحمل ابتسامات تنم عن طيبة واصالة هؤلاء الناس ..عدا البصير لم يكن مبتسما ... كان وجهه شاحبا .. وصدره يعلو ويهبط كأنه يعاني ضيقا في التنفس .. نظرت سجود إليه فوجدته يحدقها بنظرات حانية غريبة وهو يضع يديه على اكتاف صابر الواقف امامه كأنما يخشى عليه من السيارة ...
اشاحت ببصرها عنه .. وابتسمت لمحاسن وحامد ولوحت لهما .. واستدارت السيارة ببطء تتطلب الطريق .. وعندما عادت بمحاذاتهم .. القى هشام وسجود نظرة الوداع عليهم .. فوجدا البصير واقفا ينظر إليه وقد تقدم قومه بخطوات حتى يقترب من مسار السيارة ... تجاوز هشام البصير ملوحا له .. بينما ظل هو واقفا كالتمثال بدون حراك يرقبهما .. وعندما ابتعدا عنه قليلا وهم يعجبون لأمرة .. اطلق صيحة عالية طالبهم بالتوقف ..
...................................................................................................
اوقف هشام محرك السيارة وهو يرقب البصير وقد قدم ووقف على الجهة التي تجلس عليها سجود.. ونظر إليها نظرة طويلة دون أن يتكلم بينما ظلت سجود بلا حراك تنظر إلى الشاب النحيف باستغراب.. حتى شعر هشام بالضيق وكاد أن يقول شيئا لولا انه سمعه اخيرا يتكلم بصوت عميق متضرب ومتهدج :
- كيف حال صفاء.
نظرت سجود إلى هشام الذي بادلها نظرات التفاجوء والاندهاش .. وقالا في وقت واحد ..
- صفاء ... صفا ء من
قال البصير طاردا التشكك والتردد :
- صفاء محمد السعيد ... الست اختها ؟
- نعم ...
اجابت سجود وسط ذهول كبير وهي تلتفت إلى هشام وتعود إلى البصير لتقول وسط دهشتها :
- من اين تعرف صفاء ؟
- اعرفها .. فقد كانت زميلتي في الجامعة ..
- اأنت مع صفاء في الجامعة
- وفي كلية و احدة ودفعة واحدة
- لقد زرتها عدة مرات ولكني لم اراك ..
- نعم في فترة من الفترات لم اكن منتظم الحضور .
- وهل صفاء تعرفك جيدا؟
- نعم .. بل انا اول من تعرفت عليه في الكلية
- هذا امر عجيب .. لم اسمعها تلفظ اسمك من قبل .. وهي عادة ما تخبرني بكل ما يجرى لها ..
- هل ذكرت امامك .. اسماء امجد ، أحمد ووسام ، ندى ، مروة، مها وعبير ، سارة ، منال سهام ورؤى ..
وقبل ان يواصل في سرد الاسماء قاطعته سجود ومازالت امارات الاندهاش عليها :
- نعم لم تذكرهم فقط .. بل انها عرفتني بهم وأنني اعرف معظم الاسماء التي قلتها ا فردا فردا .. .. هذا عجيب ... حتى الذين ذكرتهم لم اسمعهم يتداولون اسمك.
- الم تذكر صفاء شخصا باسم جابر؟
- جابر !! جابر ؟؟ .. نعم هل انت جابر ؟
- نعم انا هو .
- ولماذا يطلقون عليك اسم البصير
- البصير لقب جدي .. واسمه الحقيقي جابر.
- يا الله .. آأنت جابر ... غير معقول .. هذا امر لا يصدق ..
- هل .. صفاء بخير ؟
- بخير .. هي بخير .. ولكن اين انت .. لقد اعييتها بالبحث عنك .. لم تترك دربا يؤدي إليك وإلا سلكته .. لم تجد عنوانا يفضى إليك وإلا ذهبت إلا وصلته .. لقد ظلت تتردد على كل مؤسسات الضرائب تبحث عن خال لك .. شحب وجهها واصفر لونها لقد كانت فرحة بنجاحك .. حزينة لغيابك .. ... ظلت تحدثني عنك طيلة الوقت .. كانت تخشى أن يكون قد اصابك مكروه .. كانت تجلس أحيانا تبكي كأنك قد مت .. واحايين اخرى تهب على أمل معرفة ما حل بك .. يا الله .. يا جابر .. لماذا لم تذهب إلى الجامعة .... ماذا كنت تفعل .. ولماذا لم تسأل عنها وعن اصدقائك .. لماذا جعلتهم يقاسون .. لماذا جعلتها مهمومة بك حزينة لغيابك ... لماذا؟ لماذا ؟
ظل هشام صامتا يرقب الموقف وزوجته منفعلة امام جابر .. الذي اطرق بوجهه على الارض ..
هدأت سجود وهي تنظر إلى جابر وقد اجابت ذاكرتها كثير من اسئلتها .. فلقد تذكرت .. كلام محاسن لها ولماذا قطع جابر دراسته .. حتى انها شعرت بالآسى والاسف .. على هذا الشاب المسكين التي حاصرته الحياة من كل جانب .. والقت عليه باثقال تنوء بحملها الجبال .. ..
فهدأت ثائرتها .. حتى انها لم تلمه إذا لم يجيب .. ولكنه اجاب ... نعم .. تحدث في هدوء ومازال ينظر إلى الارض ... ثم ما لبث ان رفع بصره شاخصا إليهم وبدأ حديثه بصوت كانه قادم من بئر عميقة .. كان الظلام يخفي كل المعالم خلفهم .. فقط ظلام دامس وانجم وبقعة امامهم تنيرها مصابيح السيارة .. قال جابر :
- لقد حضرت إلى الجامعة وذهبت إلى الكلية .. لا لكي ادرس ..أو أرى نتيجتي .. بل ذهبت لمقابلة صفاء واصدقائي .. كنت في حالة يائسة ... كنت اشعر بالضيق .. اشعر بالوحدة والضعف والقهر .. كنت احتاج اصدقائي في ذلك اليوم .. .. كنت اريد أن انظر إلى صفاء .. ارى عينيها وابتسامتها .. فاشعر بالحياة .. واشعر بأني يتوجب على الحياة وانه مازالت هنالك ايام تتسم بالحياة ..
كنت قد القيت نظرتي الاخيرة على شقيقتي الوحيدة قبل أن اواريها بالثرى ...
كنت في ظهر ذلك اليوم اعمل بالمزرعة .. فجاء صابرا مهرولا وقال لي بأن المرض قد اشتد على احلام وهي تعاني ضيق وألام التنفس .. قذفت بمعولي وهرعت إليها.. حافيا تتطأ قدماي الاشواك ولا احس بها .. رأيت امي تضع احلام على صدرها وتهزها في حنان .. وهي تصارع الموت .. وسألت عن حامد .. قيل لي بأنه لم يأتي بعد .. لم افكر ماذا افعل وكيف اوصلها إلى اقرب مشفى بدون وسيلة نقل .. حملتها وضممتها إلى صدري وظللت اعدو بها .. هرع العمال .. امامي .. يبحثون عن سيارة .. اي سيارة كانت ... اجرة تاكسي أو شاحنة أو حتى سيارة خاصة .. كنت اعدو .. وقد تأثرت بنظرات ابي العاجز عن الحركة .. وبصيحات امي إلى العمال لمساعدتنا .. كنت اشعر بأن شيئا جللا سوف يحدث .. لقد كانت احلام الوادعة .. تهتز .. ويعلو صدرها ويتحشرج تنفسها وهي تنظر إلى بعينين فزعتين .. لم استطيع ان اتحمل نظراتها المتوسلة إلى بإنقاذها .. يا الله .. لم أرى شيئا امامي .. فقد غطت الدموع الرؤية .. ولم اشعر إلا وبعض العمال يصيحون بي ويلوحون لي بالتوقف وهم على متن سيارة .. وصلنا إلى المشفى .. بقت بها ساعتان .. ثم فاضت روحها الطاهرة .. إلى رب رحيم ..
عدنا إلى الديار بعد دفنت اختي احلام ... احتضنت والدي والدتي .. وبكينا .. كثيرا .. كأننا لم نبك من قبل ..
ثم خرجت اتقبل العذاء ووجدت أعداد هائلة من الناس تبكي وتنتحب .. لقد رأيت أهل كل بيت سقا لهم ابي .. قد حضروا جميعهم بنسائهم واطفالهم وشيوخهم ..... ثم بدأ الجمع ينفض ..
كان خالي يتولى امر العذاء ومقابلة الناس يساعدوه في ذلك عمال الزراعة .. كنت في حالة من السكون الصامت .. في حالة من اللاوعي ... ورغما عن كل هذه الجكوع المعذية .. لم اجد كلمة عذاء أو عبارة مواساة خففت ما بي .. خرجت اتجول وانا في حالة من الحزن والضيق والألم يعتصر فؤادي ..
ثم ذهبت ابحث عن ا صدقائي .. كنت احتاجهم في تلك اللحظات .. وددت لو حضروا .. ورأيتهم .. كنت في حاجة إلى أن يربت امجد على كتفي .. وان يقول لي وسام كلمات .. تشد من عزمي .. وان ابكي امام احمد ملء حزني..
لا ادري بماذا وكيف وصلت إلى الجامعة .. ابحث عنهم .. وقد كانت الكلية انهت يومها فما وجدتهم وعلمت من بعضهم أنهم في بيت صفاء .. فذهبت إلى منزلكم .. نعم .. تذكرت بأنها قد اعطتني وصفا ذات يوم وكانت بصحبتها مها وعبير .. هذا الوصف الذي اعطتني اياه قبل ان تطأ اقدامنا الكلية .. كان في ايام التسجيل .. لا ادري كيف تذكرته ..
وصلت إلى منزلكم حسب الوصف .. ووقفت على بوابته .. فإذا بي اجد سيارات وضيوف وأضواء احتفالية ..
توقف ... جابر عن الحديث .. كانما يريد ان يجمع افكاره وينظم انفاسه ثم نظر إلى سجود وهشام واستطرد مواصلا :
- كان هذا يوم .. عرسكما .. لم اتردد في دخولي إلى المنزل .. ولكني عندما اجتزت الحديقة وقفت انظر باحثا عن صفاء ... وتنبهت من نظرات المدعوين المستهجنة .. إلى مظهري ..
فوجدت نفسي انتعل صندلا بلاستيكيا ومازلت ارتدي سروال ملطخ بطين الارض وحوافه ممزقة .. مربوط احدها ببعضه ..وقميص باهت خال من بعض الزرار. ولا شك في إن شعري يحمل غبار المقبرة ويعاني الشعث .. فوجدتها واصدقائي ..يباركون لك الزواج .. كان موقفا غريبا ... وهي تبكي وتحتضنك .. لقد جالت بخاطري ... احلام .. اين هي . ..وظللت اخاطبها بعد أن استحضرتها في ذهني .... اني ابكي لفراقك .. اشعر بالاحلام التي وضعها والدي عليك قد ضاعت بموتك .. وقد ماتت بغيابك .. كانا يمنان نفسيهما أن يروك في مثل هذا اليوم .. عروس في فستانك الابيض الناصع .. وبجانبك زوجك المحب .. يصون عفتك ويفرح قلبك الندي .. كانا يحلمان بايام سعيدة بعد شقاء ... وبغد مشرق .. بعد امس مظلم .... كانا يتوقان إلى مداعبة ابنائك .. كان يحبان بأن تدفى قلبيهما بابتساماتك على الدوام .. فهي زادهم وزادي ...
ظللت افكر بها واخاطبها .. بينما كنت انظر إلى اصدقائي وإلى صفاء تبكي لزواجك ..
هل تعلمي ... برغم الحزن الذي انا فيه ... ترقرقت دموعي .. وانا اشاهد صفاء تلقى بنفسها باكية على صدر اخيها .. كنت اعرف رقة قلبها وحبها لك .. كنت اعرف بانها سعيدة .. وانا قلبها يتفطر من شدة الفرح والحب والفراق ..
اختلطت دموعي عليها بدموعي على احلام ... وظللت انظر إليها لمدة طويلة .. وراقبتك وانت تصافحين اصدقائي .. ووددت .. لو كنت معهم .. ابارك لك ولزوجك وادعو لكما بالسعادة ..
لم اشعر إلا وبأحد اخويك يقف أمامي ويسألني بلطف .. أن كنت اريد شيئا .. طعاما ..أي شيئا اخر .. وعندما ادخل يده في جيبه .. شكرته وانصرفت عنه وخرجت مسرعا .. حتى إذا ما وصلت إلى الشارع .. وقفت على الناحية الاخرى ولم اشعر بالوقت يمضى إلا وانا ارى المدعويين قد بدأو بالانصراف .. كان التعب والارهاق قد بلغا مني مبلغه .. فلا اذكر متى جلست .. ولكني اذكر انني كنت اضم ارجلي إلى بيدي ووجهي مدفون بين فخذى انظر إلى الارض .. ومئات الافكار تجول بخاطري ..
عندما بدأت حركة المدعويين في الانصراف .. رفعت رأسي وظللت ارقب خروج صفاء .. حيث كنت اعلم بانها لن تدع اصدقائها إلا وهي تطمئن على انهم غادرو بسلام ..
وعندما رأيتها تخرج برفقتهم .. وتطيل وداعهم .. كنت انظر إليها كأن بيني وبينها مئات الحجب .. أو كأنما شيئ ما يحول بيننا .. امتلأت بها ... حتى غابت عني .. وذهبت في صمت ... حتى امجد لم اقوى على مخاطبته..
لم أشأ ان افسد سعادتهم وبهجتهم ..
رجعت في صمت ... ورأسي تعصف به اعاصير الشياطين وترنحه سكنات الملائكة .. حتى وصلت إلى بيتي ولا ادري كيف استطعت ان اتحمل عدم وجود احلام في استقبالي ...
وجدت خالي في حالة من القلق .. ودار بيننا حديث صاخب .. طلبت منه بكل وضوح ان يهتم لأمره ويدع حال اخوتي وابي لي .. فلقد عانى خالي كثيرا وهو يؤثرنا على نفسه ... فكان ينفق على دراستنا .. طيلة السنوات التي ضاق بها الحال بوالدي .. حتى انه قام بدفع كل ما يدخره لزواجه على علاج ابي .. مما تسبب في فشل اتمام زواجه ..
كنت حادا معه رغم حبي الكبير له ... كان حانقا على عدم ذهابي إلى الجامعة .. وبدأ شاحبا عندما قررت عدم المواصلة .. لقد اتخذت القرار .. متى وأين لا ادري .. ولكنني صممت على اعالة اخوتي ... لقد ضاعت احلام .. ولا احتمل ضياع حامد أو شاكر .. بل لا استطيع ان يمر كلاهما بما مررت به ..
قلت لخالي اقطع معه عهدا وانا ارافقه إلى المطار .. بأن حامد وصابر .. سيتعلمان افضل تعليم . وسيعملان معي .. سوف يعيشان عزيزين .. ناجحين ..
قلت هذا .. لقناعتي بأن الحياة لا ترحم الضعيف .. ويجب على أن اسلح اخوتي بالعلم والعمل معا .. حتى يجابها أي ظروف تقف امامهم ..
بدت عبارات جابر اكثر تصميما وحدة .. حتى شعر هشام وسجود بالقوة التي اظهرها رغما عن الآلام والمصائب التي مر بها ..
فقال هشام بصوت عطوف :
- إنشاء الله يا جابر .. إنشاء الله .. صدقني بالرغم من أنني لا اعرفك ..ولكني اثق في قدراتك .. واعلم بأنك ستستطيع أن تعتني باهلك خير اعتناء.
قالت سجود وقد زرفت الكثير من الدموع :
- لك الله يا جابر ... لك الله ... إنشاء الله ستعيش اياما سعيدة وسترى بعينيك اخوتك ووالدك في احسن حال ..
قبل أن ينصرفا اطمئن جابر على أن صفاء في خير حال وهي تعكف على الدراسة بجد واجتهاد ..
طلب جابر منهما .. عدم اخبارها بما دار بينهم .. لم يبدئ جابر الاسباب ... ولكنهما امتثلا لرجائه بعد أن شعرا بأنه يلوم نفسه ندما على اخبارهم امره .. ولولا شوقه الشديد إلى صفاء لما حملهم و نفسه كل هذا العناء ..
...................................................................................................
رغم مرور بضعة سنين إلأ أن سجود لم تستطع نسيان هذه الرحلة .. لقد مر طيفها بذكراها وهي تنظر إلى الاضواء المتلألأة .. التي تملأ المكان .. وإلى المناضد الملأة .. بالضيوف .. والممر المزدحم بالمستقبلين والمدعويين ...
ذهبت سجود إلى مشارف الاستقبال مع سلوى اخت هشام لاستقبال انسبائها أهل ناجي .. ووجدت ندى تهم بالمغادرة .. ابتسمت لها وقالت ألا تقولين حتى مع السلامة .. نظرت ندى إلى سجود وقالت ضاحكة من خلف نقابها ..
- لقد بحثت عنك وسط الزحام ولم اجدك .. وقد تأخر الوقت .. ويجب أن اعود
ابتسمت سجود وتقبلت عذرها حيث انها تدرك بأن ندى تنأي بنفسها من اماكن الاحتفال والغناء .. بعد ان تحجبت وتنقبت وهي في سنتها الثانية من الكلية .. وسط دهشة اصدقائها ..
بعد أن استقبلت سجود ضيوف سلوى .. وقفت قليلا مع مها زوجة اخيها مازن .. وقالت لها :
- ألم تأتي عبير بعد ..
- أنا لا انتظر عبير .. فعبير مع صفاء .. انا انتظر مروة ورؤى وسهام.
- ألم يأتيا بعد ؟
- لا ليس بعد .. لقد تأخروا
- وأين وسام ؟
- لا ادري .. سوف اتصل على منال حتى ارى ما بهما .
تركت سجود مها تتصل على زوجة وسام ... وعادت إلى الداخل لتعتني بضيوفها ...
.........................................................................................
تنبه الضيوف لأضواء السيارة التي يقودها هشام و تقل العرسان وتوقفت على الممر وسط الحديقة .. فتجمع الاصدقاء والمعارف حولها في فرح وهم يصفقون بإيديهم على انغام موسيقى لتزف العروسين ..
[
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المستحيل ..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» احتضان المستحيل
» هل يمكن تحقيق المستحيل ؟
» تسلق الحائط المستحيل
» كون السماء عالية لاتعني المستحيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات زورونا ترحب بكم  :: منتدى الإبداع الأدبي :: القصص والروايات والمقالة :: الروايات-
انتقل الى: