҉҉ العالم الغامض ҉ أنتاركتيكا ҉ وثائقي ҉

قارة "أنتاركتيكا" هي القارة الخامسة على الأرض حجمًا، إنها دائرية الشكل ضخمة يقاطع شكلها الدائريّ قطعة من اليابسة هي شبه جزيرة أنتاركتيكا التي تمتد نحو أميركا الجنوبية، سُجِّلت فيها أدنى درجة حرارة على الأرض وذلك في عام ألف وتسعمائة وثلاثة وتسعين للميلاد في المحطة الروسية "فوستوك"، خلال فصل الصيف تبلغ مساحة القارة نحو أربعة عشر مليون كيلومتر مربع، أما في الشتاء فتتضاعف مساحتها بسبب كميات الثلج التي تتشكّل على جوانبها.
تعصف في هذه القارة رياح عنيفة تصل سرعتها إلى ثلاثمائة وعشرين كيلومتر في الساعة، ما يوفر الظروف الملائمة لعدم ذوبان الجليد.
تحتضن قارة أنتاركتيكا الآن الكثير من البحوث العلمية، ففيها كثير من مراكز البحوث التي تعود ملكيتها إلى أربعة وعشرين بلداً مختلفاً، يمكن للمرء أن يسافر إلى هناك من "نيوزيلندا" بين شهري سبتمبر أيلول، وديسمبر كانون الأول، أي حين تسمح سماكة الثلج بذلك على أن تكون الطائرة طائرة عسكرية.
في القطب الجنوبي، تنقسم السنة إلى ستة أشهر من الظلام الكلّي تقريباً، وستة أشهر من النهار الدائم، والفترة الثانية تكون خلال فصل الصيف في النصف الجنوبي للكرة الأرضية، يقوم معظم الباحثين ببحوثهم في فترة النهار الدائم، فالرحلة لقطع ألفين وثلاثمائة كيلومتر تتطلّب ثماني ساعات من التحليق المضني.
يؤكد مركز القيادة أن الظروف الجوية جيدة، يمكننا أن ننطلق، بعد التحليق مدة أربع ساعات من "لانديجا" نكون قد قطعنا نقطة اللاعودة، ما يعني أننا لا نستطيع أن نعود بسبب عدم توفّر الوقود الكافي.
في هذه الأثناء يحضّر من هم على الأرض استقبالاً للزوار، تحمل الطائرة إلى الباحثين المواد الغذائية المطلوبة وقطع الغيار والمعدّات العلمية الضرورية والأدوية اللازمة.
ستقلع الطائرة الأخيرة من هنا في نهاية شهر ديسمبر كانون الأول فحين يقبل الصيف الجنوبي ستصبح طبقة الجليد رقيقة جداً وسيكون هبوط الطائرات فوقها أمرا مستحيلاً تقريبًا، لكن في شهر مارس آذار يمكن للمرء أن يصل إلى القارة بحراً، من خلال الإبحار مدة خمسة عشر يوماً، في هذه المرحلة تكون سماكة الجليد مترين أو ثلاثة أمتار أي إنه يصبح قادراً على تحمّل هبوط الطائرة التي تزن أطنان عدة.
بدأت عملية استكشاف قارة أنتاركتيكا "الجيوفيزيائية الدولية" عام ألف وتسعمائة وسبعة وخمسين ميلاديًا، أنشأت اثنتا عشرة دولة أكثر من سبعين محطة علمية لاستكشاف القارة كلها تقريباً، في عام ألف وتسعمائة وتسعة وخمسين للميلاد وقّع ممثلو الدول الاثنتي عشرة "معاهدة أنتاركتيكا" التي أعلنت أن هذه القارة ليست ملكًا لأحد ولا يجوز استخدامها للأنشطة العسكرية، وتستخدم فقط كمكان للبحث العلمي السلمي الذي يخدم البشرية، كانت هذه المعاهدة نتاج فترة طويلة من المغامرات والفتوحات التي رأت الإنسان يخطو خطواته الأولى في هذا المكان المجهول.
بطريقة مختلفة، واجه مستكشفو هذه القارة الأوائل السيناريوهات ذاتها، فالقصص الرمزية التي كتبها المستكشف الإنكليزي "روبرت فالكون سكوت" تثبت ذلك، بعد المحاولات الفاشلة في يناير كانون الثاني عام 1911 للميلاد نجح في الوصول إلى قارة أنتاركتيكا، أي إلى القطب الجنوبي ولكنه وجد أمامه علماً أحمر يدلّ على أن النرويجي "رولد أمندسن" كان قد سبقه ووصل إلى هناك قبل نحو شهر، في طريق العودة بحراً وبعد فقدان الحماسة والشعور بالخيبة فوجئ وأصدقائه الأربعة بحلول الشتاء وقد كانوا على بعد كيلومترات قليلة من مخيّمه المشهور، أعاد "سكوت" أعضاء البعثة الآخرين قبل وصولهم إلى أنتاركتيكا وتمكنوا من الوصول إلى مأوى، هناك أمضى "سكوت" وباقي أفراد المجموعة الشتاء الأنتركتيكي الطويل من دون جدوى.
ها هو اليوم، الكوخ الذي أصبح رمز استكشاف أنتاركتيكا، لقد أُبقي على الكثير من الأغراض التي تعود إلى ذلك الزمن البعيد، ومن ذلك المؤونة وعلب البسكويت والسكر والطحين، والملابس المهترئة التي تشعرك بالصقيع بمجرد النظر إليها، إنها رحلة عبر الزمن.
بنى "سكوت" هذا المأوى عام 1902ميلاديًا حين بدأ استكشافه لقارة أنتاركتيكا، وقد أصبح مقرّه العام، اليوم يمكن للمرء أن يعتبره من دون شك الموقع التاريخي الأول في القارة.
التحليق فوق جليد القارة رحلة رائعة ومؤثّرة، فالغطاء الثلجي في تحرّك مستمرّ، تتدفّق في القارة أنهار ضخمة مشكّلة موانع هائلة وشقوقًا وهضابًا، تجتمع الرياح والصقيع لتكوِّنا منظراً طبيعياً فريداً تجاهد العين البشرية لتقارنه بمواقع أخرى على الأرض.
لإيجاد أوجه الشبه على الإنسان أن يقارن هذه القارة من خلال تخيّل كواكب أخرى كالمريخ مثلاً، منذ بداية سنوات الاستكشاف الخطر لم يتوقف الإنسان عن السكن في قارة أنتاركتيكا، بل أنه أصبح قادراً على تنظيم نفسه بصورة أكثر فاعلية من أي وقت مضى.
بعد سنوات تمّ تجهيز مراكز البحوث للسماح للباحثين بالقيام بدراسات أطول، بمساعدة الأدوات الضرورية المتوفّرة في هذه المراكز....إلخ