موضوع: بحث فلكي (( المجرات الواقعة خلف درب التبانة )) السبت فبراير 06, 2010 2:39 pm
أخواتي الأعزاء رواد وأعضاء ومشرفي عالم الفضاء الدي يجمعنا تحت ضلاله كل يوم لنلتقي في هدا الجو المملوء بالمحبة والدي يطبعه الاحترام وكدا في هدا الشهر المبارك الدي ندعو الله أن يجعله فاتح خير على الأمة الاسلامية بالخير والهناء .
بحث فلكي : المجرات الواقعة خلف درب التبانة ..!
الجزء الأول :
إن أكثر من خُمْس الكون لاتدركه أبصارنا؛ إذ إن الغبار والنجوم في قرص مجرتناَ تعترض سبيل رصدنا لهذا الجزء من الكون. بيد أن الفلكيين توصلوا إلى أساليب مكّنتهم من النظر خلسة إلى هذا الجزء عبر حاجز الغبار والنجوم.
في ليلة مظلمة بعيدا عن أضواء المدينة، يمكننا أن نشاهد بوضوح قرص مجرتنا يومض متخذا شكل شريط عريض يمتد عبر السماء. إن هذا التوهج المنتشر هو مزيج من الضوء المباشر الصادر عن مئات بلايين النجوم، ومن الضوء النجمي غير المباشر الذي تبعثره حبيبات الغبار المنتشرة في الفضاء بين النجمي. ونحن نقع في وسط هذا القرص، ونبعد مسافة قدرها نحو000 28سنة ضوئية عن مركز المجرة. لكن على الرغم من أن درب التبانة قد يشكل منظرا رائعا، فإنه مازال يمثل مصدرا دائما لإحباط أولئك الفلكيين الذين يدرسون الكون الواقع خلف مجرتنا. ويقوم القرص بحجب الضوء النابع من 20 في المئة من الكون، ويبدو أن العشرين في المئة هذه تنطوي على إثارة بالغة.
المنظر من مسافة قدرها 500 سنة ضوئية فوق المستوي المجرّي قرص مجرة درب التبانة، وهي بنية كونية مجعدة الشكل مؤلفة من تريليون نجم مشابه للشمس، ومن غبار وغازات، وهذه جميعها تحول بيننا وبين مشاهدة خمس الكون. ومن بين الأجسام المحجوبة عنا المجرة الكروانية (الشبيهة بالكرة) المسماة قزم كوكبة القوس، التي تظهر في هذا الشكل الذي تصوره فنان لدى النظر من أسفل مستوي درب التبانة (الشكل الرئيسي) ومن أعلى هذا المستوي (الشكل المؤطر). ويعترض سبيل خطوط نظرنا إلى هذه المجرة القزمية الانتفاخ المكون من النجوم المحيطة بمركز مجرتنا. ومع أن كوكبة القوس هي أقرب مجرة من مجرتنا، فلم تكتشف إلا منذ أربع سنين فقط. وتبدو في الشكل المؤطر مجرة مخفية أخرى، هي دوينجيلو 1.
وفي مكان ما خلف هذا القرص يوجد، مثلا، أجزاء مهمة من كبرى بنيتين في الكون القريب منا، وهما الحشد الفائق المكوّن من كوكبتي الجبار والحوت Perseus- Pisces والجاذب العظيم Great Attractor، وهو تكتل ضخم من المادة استنتج الفلكيون وجوده من حركات آلاف المجرات عبر الفضاء. وتكشف الأرصاد أيضا عن عدد هائل من المجرات الساطعة والقريبة موجودة في الاتجاه العام للقرص، مما يوحي بوجود عدد كبير من المجرات التي لا نراها. ومن دون معرفة ما يوجد في بقعتنا العمياء غير المشاهدة، فإن الباحثين لن يتمكنوا من القيام بتحديد دقيق للمادة الموجودة في زاويتنا من الكون. وهذا بدوره يحول بينهم وبين الإجابة عن بعض أهم الأسئلة المطروحة في علم الكونيات (الكسمولوجيا) مِنْ مثل الأسئلة التالية: ما حجم البُنى الكونية؟ وكيف تكونت هذه البنى؟ وما الكثافة الإجمالية للمادة في الكون؟
هذا ولم يتمكن الفلكيون، إلا في السنوات الأخيرة، من ابتكار التقنيات اللازمة لإنعام النظر عبر القرص، ومن ثم تعرّف ذلك الجزء من الكون الذي يحجبه القرص عنا من خلال تأثيره في الأجزاء المرئية لنا عبره. وتستند الطريقة المتبعة لبلوغ ذلك إلى الآثار التي يخلفها هذا الجزء في أجزاء الكون التي يمكن مشاهدتها. ومع أن الأرصاد مازالت بعيدة عن إتمام هذه المهمة الشاقة، فقد أثبتت بعض الاكتشافات الرائعة أن هذا العمل يستحق هذا الجهد. ومن بين الأشياء التي اكتشفها الفلكيون مجرة جديدة قريبة إلى درجة تمكّنها من أن تسُود سماواتنا لو لم تكن محجوبة بقرص مجرتنا. كذلك فقد اكتشفوا حشودا مجرية في منتهى الضخامة لم يسبق رؤيتها من قبل، كما أنهم ألقوا أول نظرة خاطفة على قلب الجاذب العظيم المحير.
إن معرفة المجرات المحجوبة بدرب التبانة تحققت أول مرة حين بدأ الفلكيون بتمييز المجرات الخارجية عن السدم الداخلية، وكلاهما يُشاهد كأجرام باهتة وممتدة. وبسبب ظهور المجرات في كل مكان فيما عدا منطقة درب التبانة، فقد أُطلق على هذه المنطقة اسم «منطقة التفادي» zone of avoidance [انظر الشكل في الصفحة 38]. ويدرك العلماء الآن أن المجرات الخارجية مكوّنة من بلايين النجوم، وأيضا من عدد لا يُحصى من السحب الغبارية والغازية. وفي منطقة التفادي يغرَقُ ضوء المجرات عادة في العدد الهائل من النجوم الأمامية، أو أنه يُمتص بوساطة غبار مجرتنا.
يخترق الضوء الوارد من المجرات الأخرى درب التبانة بدرجات مختلفة تبعا للطول الموجي لهذا الضوء. فأكبر الأطوال الموجية، التي تقابل الإشعاع الراديوي والإشعاع تحت الأحمر البعيد، لا تتأثر إلا قليلا. أما الأطوال الموجية القصيرة (مثل الأطوال الموجية للإشعاعات تحت الحمراء القريبة وفوق البنفسجية والضوء المرئي) فيَعترض سبيلها غيوم الغاز والغبار الموجودة داخل مجرتنا. وفي الأطوال الموجية القصيرة جدا، مثل أقوى الأشعة السينية، فإن الغاز يصبح شفافا مرة أخرى.
إن الفلكيين المتخصصين فيما وراء المجرة extragalaxy تحاشوا أيضا منطقة التفادي، إذ ركّزوا جهودهم بدلا من ذلك في المناطق غير المظلمة من السماء. بيد أن ثمة عملية رصد حاسمة بدأت قبل نحو 20 عاما، أشارت إلى ما كان يُمكن أن يكون خافيا عليهم. وقد بيّنت قياسات غير دقيقة لإشعاع الخلفية الكونية المكروي الموجة، وهو أحد مخلفات الانفجار الأعظم، لاتناظرا قدره 180 درجة عُرِفَ بأنه ثنائي قطب (1) dipole، درجة حرارته في أحد مواقعه في السماء أعلى بنحو 0.1 في المئة من المعدّل، وأخفض بالنسبة نفسها في الموقع القطري. إن هذه القياسات، التي أكدها الساتل (القمر الصنعي) الذي يسمى مكتشف الخلفية الكونية Cosmic Background Explorer في عامي 1989 و 1990، توحي بأن مجرتنا ومجموعة المجرات المجاورة لها، المسماة المجموعة الموضعية (2) Local Group، تتحرك بسرعة قدرها 600 كيلومتر في الثانية (1.34 مليون ميل في الساعة) باتجاه كوكبة الشجاع (هيدرا) Hydra. وقد استُنتج متجه السرعة هذا بعد إجراء التصحيح اللازم أخذا في الاعتبار الحركات المعروفة، مثل دوران الشمس حول مركز مجرة درب التبانة، وحركة هذه المجرة باتجاه جارتها، وهي المجرة الحلزونية المعروفة باسم المرأة المسلسلة Andromeda.
تَظْهرُ المجرات المخفية حين إجراء أرصاد فلكية دقيقة. إن دوينجيلو1، التي كان أول من اكتشفها مقراب راديوي عام 1994، هي مجرة حلزونية تُرى على شكل خلفية باهتة لكوكبة ذات الكرسي (في اليمين القريب). وبالمقابل فإن المجرة الكروانية، التي تدعى قزم كوكبة القوس، لا يمكن مشاهدتها مباشرة؛ فنجومها مختلطة بنجوم درب التبانة، ولا بد من تعرفها واحدا تلو الآخر (في أقصى اليمين). وصورة كوكبة القوس هي تركيبة (فسيفساء) من الصور معظمها من السماء الجنوبية، وقد أسقطت بحيث يمتد درب التبانة أفقيا عبر المركز.
تُرى، من أين تنشأ هذه الحركة التي تمثل انحرافا صغيرا عن الحركة التمدّدية المنتظمة للكون؟ إن المجرات تتجمع في زمر من الحشود، وهذه الحشود ذاتها تتكتل في حشود فائقة، تاركة بقاعا أخرى خالية من المجرات. هذا وإن التوزع التكتلي غير المنتظم للمادة المحيطة بالمجموعة الموضعية قد يُولِّد جذبا تثاقليا غير متوازن يسحبها في اتجاه واحد. وقد يبدو، للوهلة الأولى، أنه من الصعب التصديق أن باستطاعة المجرات أن تؤثر إحداها في الأخرى على امتداد هذه المسافات الشاسعة التي تفصل بينها. لكننا إذا أدخلنا في الحسبان كتلها الضخمة، فإن المسافة بين مجرة وأخرى تصبح أصغر من المسافة الفاصلة بين نجمين ينتميان إلى مجرتنا.
من الممكن حساب السرعة المتوقّعة للمجموعة الموضعية بجمع القوى التثاقلية التي تحدثها مجرات معروفة. ومع أن المتجه الحاصل يميل بزاوية لا تتجاوز 20 درجة على اتجاه ثنائي قطب الخلفية الكونية، فإن الحسابات تظل غير يقينية إلى حد بعيد، وذلك يعود جزئيا إلى أنها لا تُدخل في الحسبان المجرات الموجودة خلف منطقة التفادي.
إن التعارض المستمر بين اتجاه ثنائي القطب وبين متجه السرعة المتوقع جعل الفلكيين يفترضون وجود «جواذب» attractors. وقد استعملت مجموعة من الباحثين، عُرفت فيما بعد باسم أعضاء الساموراي السبعة Seven Samurai، حركات مئات من المجرات، واستنتجت وجود الجاذب العظيم على مسافة تقدّر بنحو 200 مليون سنة ضوئية [انظر: «الجريان الواسع النطاق للمجرات»،مجلة العلوم، العدد4 (1988)، ص 60].
ويبدو أن المجموعة الموضعية علقت في عملية «شد حبل» كونية بين الجاذب العظيم والحشد الفائق supercluster المكون من مجرتي الجبار والحوت اللتين تبعدان عنا بقدر بعد الجاذب العظيم، علما بأن هذا الحشد موجود في الطرف المقابل من السماء. وبغية معرفة من سيكسب الحرب، لا بد للفلكيين من معرفة كتلة الأجزاء المخفية من هذه البنى.
لقد حدد قلب «الجاذب العظيم» على أنه الحشد المجري أبِل 3627. وهو يظهر في كل من صورة الضوء المرئي (خلفية الصورة) وفي أرصاد الأشعة السينية (الخطوط الكنتورية). وتظهر في هذه الصورة السلبية أكثر من 100 مجرة؛ ومعظم النقط هي نجوم في مجرتنا. وتشير الخطوط الكنتورية المتمركزة الضيقة (في أعلى يمين الشكل) إلى مجرة ساطعة في الحشد.
إن الجاذب العظيم والحشد الفائق الآنفي الذكر عنصران في سلسلة طويلة من المجرات تعرف باسم المستوي فوق المجرّي Supergalactic Plane. ويظن أن تكوُّن مثل هذه البنية الضخمة يتوقف على طبيعة المادة المظلمة غير المرئية التي تؤلف معظم الكون. هذا ويجب أن يكون وجود سلاسل المجرات أكثر احتمالا في كونٍ تهيمن عليه جسيمات ما يسمى بالمادة المظلمة الحارة (مثل النيوترينوهات neutrinos الضخمة) من كون تهيمن عليه جسيمات مادة مظلمة باردة (مثل الأكسيونات axions، أو جسيمات افتراضية أخرى). لكن الفلكيين غير قادرين على التمييز بين هذين الاحتمالين إلى أن يقوموا برسم خرائط كاملة لهذه البنى.
ويجب ألا نتجاهل المجرات القريبة في خضم حركة المجموعة الموضعية. وبسبب كون الثقالة أقوى ما يمكن على مسافات صغيرة، تتولد قوة لا يستهان بها صادرة عن أقرب المجرات، حتى لو لم تكن من المجرات الضخمة. ومن المثير للاهتمام أن يكون خمس من المجرات الثماني ذات السطوع الأعظم واقعة في منطقة التفادي؛ إن قربها وسطوعها الشديدين يجعلانها تتلألأ من خلال الضباب. وتنتمي هذه المجرات إلى زمرتي المجرات قَنطوُرس A Centaurusو IC342، وهما جارتان قريبتان من المجموعة الموضعية. ومن المحتمل في هاتين الزمرتين أن يقابل كل مجرة تَمَكّن الفلكيون من رصدها كثيرٌ من المجرات الأخرى التي حُجِبَ ضوؤها كليا.