علاقاتنا باللغة الفرنسية
ما دمنا نريد فتح نقاش لغوي، لساني، فلنطرح الإشكالات اللسانية الحقيقية في حياتنا اليومية، المحددة أساسا في صيغ علاقاتنا باللغة الفرنسية. لأنه تأسيسا على المسلمة العلمية، أن اللغة وعاء ثقافي، فإن ما تمارسه الفرنسية فينا، خاصة على مستوى إنتاج قيم التماهي، هو مقلق على أكثر من صعيد.. لأن التواصل بين جزء كبير من النخبة المغربية وباقي المغاربة، وبين الدولة والمجتمع، يعيش حقيقة عطب لسان، من خلال الانتصار فقط للفرنسية كأداة تواصل (مثال ذلك، ما يقع المواطن المغربي ضحية له في الإدارة وفي أغلب وأهم البرامج التلفزيونية).
إن الطامة الكبرى، ليست فقط في هذا الاختيار للانتصار للغة باريس وموليير (التي هي لغة حضارة وإبداع إنساني هائل، تاريخيا)، بل في أننا ننتصر للغة، تتراجع عالميا، ولا تشكل أداة تواصل كوني. كون الثقافة الفرنسية، نفسها تراجعت على كافة مستويات الإبداع، الفني والأدبي والفكري والعلمي، (لأنه أين جاك بريل ولوي فيري، وميرلوبونتي وبوان كاري وميشيل فوكو، وليفي ستراوس وداسو... إلخ؟!).
وحتى، إذا كان ضروريا أن نتغطى بلسان أجنبي لنفوز بإحساس الحداثة، فإننا نختار مغربيا اللسان الأضعف، أمام تواصل حضور الإنجليزية والإسبانية عالميا، وأمام الصعود الهائل لقوى اقتصادية أوربية قادمة، مثل ألمانيا غربا، وبولونيا شرقا. بالتالي، علينا أن نوقن، أن الحداثة هي أن نصالح لغتنا العربية مع أسباب الإبداع الكونية، وهنا ينتصب المشروع التربوي والتعليمي والإعلامي هائلا.. أما أن نُساق الى نقاش مغلوط، مثل نقاش الخصومة بين الدارجة والعربية، وبين الأمازيغية والعربية، فإنما غايته إبعادنا مسافات ضوئية عن أسباب الحداثة. فالمغاربة، هنا، صنعتهم خصوصيتهم الحضارية، التي أبدعوها وأبدعتهم، من خلال لسان، له جذر وله شجرة أنساب وله جدارة الإبداع المميز الخاص، الذي هو الخلطة الرائعة التي تصنع يوميا بين العربية والدارجة والأمازيغي..