المقدمة
- أين ( الارﮔيلة ) يا ولد ...
كان هذا صوت ( ابو جابر ) الجالس على كرسي صغير و قد تدلى كرشه الضخم , أمام محل تجاري من مجموعة محال في بناية ذات عشرة طبقات , هذه البناية ملكه الشخصي .
أسرع صبي في العاشرة من العمر بإحضار ( الارﮔيلة ) ليضعها امام ( ابو جابر ) و يسأله :
- هل تأمرني بشيء آخر ؟
- لا , يمكنك الذهاب الآن , لكن المستأجرين الجدد , الم يحضروا بعد ؟
نظر الصبي الى ساعة يده و قال :
- سيحضرون عند الحادية عشر , لا زال هناك وقت .
رد ( ابو جابر ) وهو يغالب ضحكة صغيرة :
- ننتظر و أمرنا لله , تعبنا من الطلبة و مشاكلهم .
الفصل الاول
( ابو جابر ) هذا كان رجلا بسيط الحال , ليس له أي رصيد مالي , لم يكن يملك سوى بيت قديم جدا ورثه من أباه, لكن , و لحسن حظه , تقرر بناء جامعة جديدة في نفس المنطقة , و كان مبنى بحاجة الى المساحة التي يشغلها بيته , عرضت عليه ادارة الجامعة مبلغا كبيرا من المال مقابل ان يبيعهم البيت , كان المبلغ مغريا , فكر كثيرا بالأمر حتى استقر رأيه على استثمار هذا المبلغ لشراء ارض قريبة من الجامعة و بناء عمارة من عدة طبقات مع مجموعة من المحال التجارية بحيث يؤجر المحال الى الراغبين و الشقق السكنية في العمارة الى الطلبة و بذلك يضمن موردا ماليا كبيرا في هذا الاستثمار و يؤمن مسكنه الشخصي حيث يجعل من الطبقة الاولى مسكنا خاصا له و بقية المبنى كان عبارة عن شقق صغيرة الحجم تتسع لثلاثة او اربعة طلبة ,و هكذا بادر الى تنفيذ مشروعه و ها هو الآن يجلس امام مبناه و قد طغى عليه شعور الفرح و الرضا .
- اهلا و سهلا بكم , ها قد وصلتم اخيرا ..
قال مخاطبا القادمين الذين يبحثون عن مسكن لبناتهم الطالبات .
- العمارة كبيرة و الايجار مكلف بالنسبة لشخص واحد , اقترح عليكم ان تسكن البنات الثلاث في شقة واحدة بما أنهن في نفس الجامعة , هيا اتبعوني لأريكم الشقة ,
تبادلت البنات النظر الى بعضهن , كانت نظرات مصحوبة بابتسامات حذرة , ( سمر) السمراء الجميلة ذات الشعر الاسود و العينين السوداوين كانت بصحبة اخيها , ( ايمان ) الشقراء ذات العينين الخضراوين كانت مع أمها و أبيها و تبدو عليها إمارات الترف , (هالة ) ليست شديدة البياض , رقيقة جدا , شعرها بني و عينيها كذلك , كانت بصحبة والدها , سار الجميع خلف ( ابو جابر ) حتى وصلوا الى مصعد البناية , ضغط ( ابو جابر ) على زر المصعد فلم ينفتح الباب , هنا , ضرب جبهته بيده و قال كمن يتذكر شيئا نسيه :
- نسيت ان المصعد قد تعطل امس , ليست مشكلة سوف نستخدم السلم
قالت ( أم ايمان ) بقلق واضح :
- في اي طبقة تقع الشقة ؟؟
أجابها ضاحكا :
- ليست بعيدة أبدا , انها في الطابق العاشر فقط .. هههههه
صرخت أم ايمان ..
- يا الهي ماذا ؟؟؟
اجابها بنفس الضحكة :
- لا تخافي ..بالتأكيد سوف نصلحه ..
استغرق صعودهم وقتا طويلا حتى وصولهم منهكين الى الشقة المطلوبة , فتح ( ابو جابر ) الباب و سرعان ما بادرهم بالقول :
- الله , الله , روعة ..لن تجدوا اروع من هذا المكان , نظرت ( أم ايمان ) الى الاثاث الموجود داخل و قالت و هي غير مرتاحة :
- و قالت ما هذا الأثاث البالي ؟؟
اجاب ( ابو جابر ) منزعجا :
- بالي ...تسمين هذا بالي ! هذا اجمل و اروع اثاث ..
ثم اشار قائلا :
- توجد ثلاث غرف , يعني كل واحدة تأخذ غرفة ..
غرفتان كانتا في الجهة الشرقية للشقة اما الثالثة فتقع بمواجهة الغرفتين بحيث لا يصلحها نور الشمس ,
- اعلموا ان ايجار الغرفة الواحدة ( 200 دولار ) شهريا
قال ابو جابر موضحا ً فأعترض الجماعة على المبلغ المطلوب خصوصا بالنسبة للغرفة البعيدة عن ضوء الشمس , رد عليهم بذكاء :
- طيب , من تسكن هذه الغرفة تدفع ( 100 دولار ) فقط و اجري على الله
نظرت سمر الى اخيها و قالت :
- أخي العزيز انا اقبلها , فرق الايجار ينفعنا ..
- و لكن .. الغرفة غير صحية ..
- لا , استخدمها للنوم فقط , طوال اليوم سأكون بالجامعة ..وافق ارجوك ..
اضطر شقيقها للموافقة امام الحاحها و بسبب وضعهم المالي المحدود ,
- مبارك عليكم , هيا , انتم ايضا اختاروا غرفكم ..
قال ابو جابر و هو يفرك يديه بسرور , دخلت أم ايمان الى الغرفة الاولى ثم الغرفة الثانية , لكنها عادت الى الغرفة الاولى مسرعة لأنها كبيرة و اثاثها افضل من البقية , كذلك فيها حمام صغير مستقل , قالت ان هذه الغرفة هي حصة ايمان ولكن والد هالة اعترض قائلا :
- لا هذا ليس إنصافا ! يجب ان تأخذ ايجار اقل من ابنتي لو رغبت ان تختار الغرفة الثانية
رد ابو جابر متصنعا الغضب :
- لا اقبل هذا , بعد قليل ستطلبون مني ان امنحها دون مقابل , لا مجال اكثر من المائة دولار ,مستحيل ان اقبل بأقل من هذا , تفضلوا كي نذهب
تشاور والد ايمان مع زوجته و قال لأبي جابر
- طيب سندفع نحن 250 و اشار الى والد هالة و أنت 150 , موافق
- طيب لا مانع عندي ... رد والد هالة .
وهكذا احتضن مسكن صغير بنات الطبقة المرفهة و المتوسطة و الفقيرة
* * * * *
بعد ان استقرت كل فتاة في غرفتها دخلت والدة ايمان المطبخ كي تحضر بعض الطعام لكنها انزعجت مما شاهدته فكل شيء كان قديما و لم يعجبها الوضع لكن زوجها اخبرها انه سيشتري طعاما من السوق , و حين همّ بمغادرة الشقة تذكر الفتاتين و ذويهما فطلب من زوجته إخبارهم بأن الجميع سيتناولون طعام الغداء بمناسبة تعارفهم هذا اليوم , بعد ساعة كانت المائدة جاهزة لأربعة اشخاص جلس إليها الأهل بينما احتلت الفتيات الثلاث مقعدا طويلا و هن يحملن صحونهن بأيديهن منتظرات حصصهن من الوليمة , بعد الغداء تعرفت الفتيات على بعضهن . سمر مقبولة في كلية الطب , ايمان في كلية الآداب فرع التاريخ , هالة تقدمت الى كلية الهندسة , كل واحدة منهن تعرفت على مدينة الاخرى و عاداتهم و بينما كان الاهل يأكلون التفتوا الى ان الفتيات قد تآلفن بسرعة كبيرة فاطمئنوا الى هذه العلاقة الجميلة , بعد الغداء مباشرة استأذن شقيق سمر و غادرهم بعد ان ودع سمر و قبلها من رأسها , من بعده غادر والد هالة و بعده والدا ايمان , كانت الفتيات الثلاث يقفن لتوديعهم .
يتبع
--------------------------------------------------
بقلم د.م انوارصفار
-----------