الفصل الثالث
تنبهت ايمان و هالة الى تدهور الحالة النفسية لزميلتهن سمر لكنهن كن عاجزات عن مواساتها , والد ماجد بعث لسمر من يأمرها بالتخلي عن حبيبها ماجد حفاظا على حياتها و مستقبلها و سمعتها , سمر اخبرت زميلتيها بالأمر فطلبن منها بإلحاح ان توافق خوفا عليها من الأذى الذي يمكن ان يلحقه بها والد ماجد , وافقت على الطلب بناء على رغبة زميلتيها و تخلصا مما يمكن ان يحدث لها من مشاكل جديدة ,استدعاها والد ماجد و قدم لها مبلغا مغريا من المال , لكنه طلب منها ان توقع على صك استلام المبلغ مقابل تركها لماجد , و لأنها كانت خائفة و مرتبكة وافقت على الامر و وقعت الصك دون تردد عسى ان تنتهي مأساتها , بعد هذا التصرف القاسي من قبل الوالد , اخبر ابنه ان سمر قد باعته مقابل المال و هكذا استطاع ان يقنع ماجد ان سمر ليست الفتاة المناسبة له , على اثر هذا الموقف قرر ماجد السفر الى الخارج لإكمال دراسته و التخلص من آثار الصدمة العاطفية المدمرة , سمر كانت ارق من ان تتحمل كل هذه الضغوط فقد تحطم قلبها و انطفأ النور الذي كان ينير حياتها بوجود ماجد و اصبحت منطوية على نفسها كثيرا , و لولا مساعدة صديقتيها ربما كانت ستترك الجامعة ايضا لكن ايمان و هالة ساعدتاها كثيرا في تجاوز الأزمة و الاستمرار بالدراسة .
في السنة الثانية , و بعد ان عادت الى الدراسة من جديد كانت قد قررت ان تبدأ حياة جديدة , لا تفكر بشيء سوى دراستها و بشكل جدي و هذا ما حدث فعلا , في هذه السنة كانت هناك شقة اخرى اكثر رفاهية من الشقة التي سكنتها البنات الثلاث في العام الماضي حيث ان صاحب العمارة ( ابو جابر ) اقترح عليهن ان يأخذن هذه الشقة لأنهن اصبحن ( من صاحبات البيت ) , لكن , الغريب في الامر انهن رفضن ترك الشقة القديمة الرطبة الجدران , لم تستطع أية واحدة منهم تفسير هذا الرفض المضحك , كان الحدث الأهم في هذه السنة ما تعرضت له هالة حيث انه لم يكن اقل ألما مما حدث لسمر في العام الماضي , زوجة الاستاذ حبيب هالة عرفت بقصتها و ذهبت الى الجامعة و قالت ما قالت لهالة , الغريب ان الاستاذ لم يدافع ابدا عن موقفه , بل , على العكس من ذلك تظاهر بان لا علاقة له بهالة و انها هي التي تطارده , كان موقف الاستاذ اقوى زلزال عصف بمشاعر هالة و بشكل لا يصدق , غير ان سمر و ايمان لم تتركاها و لا لحظة , سمر اخبرتها عما عانت في السنة الماضية و ليتها لم تفعل حيث ان هذا التصرف أدى الى تأخرها بالدراسة , وقوف صديقتا هالة من جهة , و قوة شخصيتها من جهة اخرى , جعلاها تتجاوز الازمة بنجاح , على اثر هذا الموقف قررت ان تكرس كل وقتها لدراستها و مستقبلها و لم تعر الاستاذ اي اهتمام , بل اصبحت لا تفكر به ابدا حتى صار بعد فترة مجرد أطلال بالنسبة لها و حين تراه يحادث احدى الفتيات تتمنى لو انها تستطيع ان تحذرها من غدره .
بعد انتهاء العام الثاني ودعن بعضهن على ان يلتقين في نفس الشقة في العام المقبل , وهن يغادرن المسكن اخبرن ابو جابر مازحات ان لا يؤجر هذه الشقة الرائعة لأحد غيرهن فأجاب مازحا ايضا ان أمرهن مطاع و لن يؤجرها لأي شخص غيرهن , فكر ابو جابر ان الشقة تحتاج الى تجديد بعض الاثاث و اعمال صيانة و تجديد الطلاء و نفذ ما اراد فعلا حيث قام بصيانة و تجديد طلاء الشقة بعد ان فتح جزءاً من سقف غرفة سمر المعتمة و غلف الفتحة بالزجاج كي ينفذ ضوء الشمس داخلها . كان ينتظر عودتهن كي يفاجئهن بما فعل ,و فعلا حدث هذا عند عودتهن في السنة الثالثة فرحت الفتيات كثيرا بالتغييرات التي حدثت , اصبح ابو جابر يعتبرهن بمثابة بناته لذلك فرح لفرحهن كثيرا خاصة سمر التي اصبحت غرفتها جميلة جدا فقال لها :
- الآن اصبحت الغرفة مناسبة للدكتورة ..
ايمان و هالة أردن ان يمزحن معها فقالت ايمان :
- اصبحت غرفتك رائعة جدا و عليك دفع اجر مضاعف ---
كان قصدهن ان يسمعهن ابو جابر لكنه رد قائلا :
- لا ابدا لن تضيفوا اي شئ , ادفعوا كما دفعتهم في السنوات الماضية ..
استمرت الفتيات بالدراسة , ايمان كانت سعيدة جدا في علاقتها مع باسم و كانت تعتبر نفسها اكثر سعادة من صديقاتها , لكن للأسف , كانت الاقدار اقوى منهما , ذات يوم و بينما كانت سمر بالمشفى في احد الدروس التطبيقية في قسم الطوارئ احضروا شابا تعرض لحادث دهس خطير جدا و عندما شاهدته عرفته على الفور , رباه انه باسم اتصلت بهالة و اخبرتها ان تذهب الى ايمان كي تكون بجانبها قبل ان تعلم من غيرها و كانت هي تتابع اخبار باسم و لكن للأسف اخبروها انه توفى اثناء العملية , نزل الخبر عليها كالصاعقة , كيف ستخبر صديقتها العزيزة , في هذه الاثناء كانت هالة تمهد الطريق لإيمان كي تخبرها ...و اخيرا علمت ايمان , وانفجرت بالبكاء كالمجنونة حاولت سمر و هالة تهدئة ايمان دون فائدة , استمرت بالبكاء حتى أغمي عليها و نقلوها الى المشفى , سهرت سمر بجانبها تتابع حالتها و احيانا كانت تسهر معها هالة , لم تتمكن ايمان من نسيان مصيبتها , و اخيرا اتصلت سمر بوالدة ايمان و اخبرتها بالامر , جاءت الأم و اقامت مع ابنتها حتى تعافت من مرضها حيث ساعدها كثيرا وجود أمها لتخطى صدمتها هذا بالاضافة الى دور هالة و سمر , انتهت السنة الثالثة و افترقت الفتيات مرة اخرى عن بعضهن , لكنهن طلبن من ابو جابر ان يغير لهن الشقة لأنهن يرغبن ان يفتحن صفحة جديدة لا تذكرهن بالماضي , أوعدهن ابو جابر بذلك .
في السنة الرابعة عادت و التقين في الشقة الجديدة , كانت في الطبقة الثانية , جلسن بصمت بعد تبادل التحية مع ابو جابر , كان ابو جابر تنقل نظراته بين وجوههن مترقبا و منتظرا شيئا ما , لقد ادرك بفطرته انهن لا يستطعن الاستغناء عن مسكنهم القديم الحبيب لكنه جارى طلبهن و انتظر ماذا سيفعلن , بعد دقائق نهضت هالة و صرخت كالمجنونة :
- اريد غرفتي
و فعلت سمر و ايمان مثلها , انفجر ابو جابلا بضحكة مدوية و قبل ان يقلن أي شيء بادرهن بالقول :
- اعرف تماما ما تفكرن فيه الشقة موجودة و هي خالية لم اؤجرها بعد , اعرف تماما اهميتها لكن , هيانصعد اليها
بقلم د.م انوار صفار